جاءت السيدة أم كلثوم فى باريس
بعد خمسة شهور فقط من هزيمة يونيو ١٩٦٧ وافقت كوكب الشرق أم كلثوم ان تغنى فى باريس فاتصل بها ( برونو كاكوتركس ) مدير مسرح الأوليمبيا أكبر وأهم مسارح باريس ليتفق معها على المقابل المادى الذى ستحصل عليه فسألته :
" كم اجر أديث بياف"؟
وكما نعلم ( اديث بياف ) هى أكبر وأهم مطربة فى ذلك الوقت وواحدة من أهم علامات الغناء فى العالم كله .. أجابها الرجل انها تحصل على مايساوى ١٠ ملايين جنيه مصرى فقالت له ثومة :
" اذن احصل انا على ٢٠ مليون فى الحفلة و ح أغنى أغنيتين فقط و ربما ثلاثة"
ذهل الرجل من حجم المبلغ وذهل أكثر عندما علم إنها ستغنى اغنيتين فقط فهو لم يسمع عن أغنية زادت مدتها عن ١٠ دقائق فظن ان الحفل سينتهى فى ٢٠ دقيقة وهنا تدخل الأديب الشاب وقتها محمد سلماوى الذى لعب دور المترجم بينه وبين سيدة الغناء وشرح له ان مدة الأغنية الواحدة تصل الى ساعة ونصف فهدأ الرجل ووافق على شروط الست أم كلثوم لكنه ظل قلقا ان لايأتى الحفل بالعائد المنتظر منه خصوصا إنه لم يكن يعرف عن أم كلثوم سوى إنها مطربة كبيرة فى بلدها ..
واقترب موعد الحفل ونصف التذاكر لم يشتريه أحد
ولكن كل هذا اختلف عندما هبطت أم كلثوم فى مطار شارل ديجول وقالت للصحفيين كلمتين فقط :-
" ايوة ح أغنى"
فتأكد الجميع ان سيدة الغناء ستغنى لأول مرة فى أوروبا فنفذت التذاكر قبل وصول أم كلثوم الى غرفتها فى الفندق واتى الجمهور من كل مكان وحملت الطائرات الجماهير من كل انحاء العالم ليسمعوا أم كلثوم فى عاصمة النور
أجرت ام كلثوم بروفاتها الأولى داخل مسرح الأوليمبيا وسمعها مدير المسرح للمرة الأولى ولم يصدق ماسمع فذهب اليها وطبع قبلة على يدها ..
وجاء يوم الحفل
واحتشد الجمهور داخل المسرح وابدع المذيع الشهير جلال معوض فى تقديمها على مسرح الأوليمبيا لكن الحماس سيطر على صوته وكلماته من الأجواء الملتهبة فقال :
" اليوم أم كلثوم تغنى فى باريس وقريبا تغنى فى القدس المحتلة"
وصفقت الجماهير واشتعل المسرح بالهتاف وانزعج مدير المسرح منظم الحفل فذهب الى محمد سلماوى واصطحبه الى غرفة أم كلثوم ليخبرها بأنزعاجه مما فعله جلال معوض وانه ليس فى مناسبة سياسية ليتحدث عن القدس .
وقبل ان يبدأ سلماوى فى الترجمة فهمت ام كلثوم مايريده الرجل وردت عليه محتدة :-
"لا يااستاذ إحنا فى مناسبة وطنية وانا هنا بأغني علشان بلدى ودخل الحفلة دى رايح للجيش المصرى وعموما علشان ارفع عنك الحرج أنا متنازلة عن اتفاقنا ولو ح نزعجك أنا مش ح أغنى النهارده خالص"
صمت الرجل ولم ينطق واستدارت كوكب الشرق موجهة كلامها الى فريق العازفين المصاحب لها :
"لموا يااولاد الآلات .. مش هاغنى النهاردة"
وكأن سهما اصاب الرجل فى قلبه فقال انه موافق على كل ماتريده وانصرف بعدها
وخرجت كوكب الشرق وصعدت الى المسرح وغنت كما لم تغنى من قبل .
وقدم جلال معوض الوصلة الثانية بنفس الحماس وذات الطريقة وطال الحفل حتى الثانية من صباح اليوم التالى وكانت هذه اول مرة تتاخر فيها حفلة الى هذا الموعد فى باريس ..
وكتبت عنها الصحف الفرنسية لوموند ولوفيجارو وبارى سوار وعلقت وكالات الأنباء العالمية ومحطات الإذاعة والتليفزيون على الحدث الكبير الذى اطلقوا عليه ( المعجزة الخارقة ) .
هذه هى القوة الناعمة وكيف توظف لخدمة وطنها❤️🇪🇬