حكايات من التاريخ
{ صقر قريش عبد الرحمن الداخل }.
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية
ولد في دمشق سنة 113هـ، وقد عرف باسم: عبد الرحمن الداخل، لأنه أول من دخل الأندلس من ملوك الأمويين.. أما لقب: صقر قريش، فقد أطلقه عليه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قائلا عنه :
دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه". فحقق غايته من إعادة أمجاد أجداده الأمويين
كانت أمه بربرية من سبايا المغرب تدعى: داح، وقد استفاد عبد الرحمن من هذه القرابة حين فر إلى المغرب.. توفيت والدته وهو لا يزال طفلا، فنشأ وتربى في قصر جده هشام بن عبد الملك بين أعمامه وأبناء عمومته، فورث تقاليد الأسرة الأموية العريقة، والاعتزاز بأمويته
مع تفتح شباب عبد الرحمن، شهد انتهاء و سقوط الخلافة الأموية، سنة 132هـ وقتل آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد .. وأعمل فيهم عبد الله السفاح” اول خلفاء الدولة العباسية السيف قتلاً وذبحًا، واستباح أموالهم وممتلكاتهم كما استباح ودماءهم. واخذ يتعقبهم حتى أفنى عددًا كبيرًا منهم، وتفرق من بقي أو كُتبت له النجاة في أنحاء البلاد
فر عيد الرحمن من وجه الملاحقة العباسية الشديدة، فى رحلة فرار وهروب استمرت ست سنوات واجتاز فلسطين ودخل مصر، ثم انطلق متوجها نحو طرابلس حيث اخواله البربر ، فاستقر في نفزة عند اخواله بعضا من الوقت ثم رحل نحو تاهرت في المغرب الأوسط.ومالبث ان فر منها الى مكناسة بعد ملاحقة والي المغرب عبد الرحمن بن حبيب له
اتجه الداخل لمنطقة سبتة، ومنها لمدينة مليلة التى استقر فيها . مخططا للعبور والدخول إلى الأندلس التى فر اليها من تبقى من امراء بنى اميه فراسلهم مستغلا الصراعات السياسية بين والي الأندلس الرسمي: يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وحاكم الأندلس الفعلي: الصهيل بن حاتم بن شمر والصراعات القوميه بين العرب والبربرفتواصل معهم فساعدوه فى دخول الاندلس على متن احد المراكب .
استطاع الداخل كسب المزيد من الأنصار خاصة من جماعات البربر، فتجمع حوله “أكثر من ثلاثة آلاف فارس، كلهم يدين له بالولاء، فانتقل إلى مدينة أشبيلية وزحف منها نحو قرطبة، عاصمة الأندلس فى مواجهة الوالى “يوسف بن عبد الرحمن الفهري”، الكبير السن الضعيف البنية، وبالرغم من صغر سن “عبد الرحمن الداخل” الذي لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، فإنه أبدى من صنوف المهارة والفروسية والقيادة ما جعله يتمكن من إحراز انتصار حاسم والتغلب على قوات “عبد الرحمن الفهري” وإلحاق هزيمة منكرة بجيشه.
ودخل “عبد الرحمن” قرطبة في عيد الأضحى فصلّى بالناس، وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس، وبويع له بالخلافة في (10 من ذي الحجة 138هـ= 18 من مايو 756م)، ليصبح أول أموي يدخل الأندلس حاكمًا، مكونا خلافة بفصلها فصلا سياسيا كاملا، عن جسد الدولة العباسية ، وقد تمكن من تأسيس حكم وراثي مستقل، فبدأ بذلك عهدا جديدا في الأندلس.
احدث عبد الرحمن الكثير من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية .. فقد دخل قسم كبير من الأسبان إلى الإسلام، وعالج المشاكل الزراعية، وألغى اعتماد الدولة على التوازن العسكري القبلي، فأنشأ جيشا محترفا كماطور موارد الدولة، وفرض الضرائب.
حرص الداخل على نشْر العلم وتقدير العلماء والمفكريين والفقهاء، كم اهتمّ بالقضاء وبالحسبة وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمدارس والمكتبات ودور القضاء ومجالس العلماء وغيرها.
اضافة الى اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر والمباني والمساجد مثل مسجد قرطبة الكبير وأماكن العلم والمصانع، وربطه كافة أنحاء بلاد الأندلس ببعضها.واليه يرجع الفصل فى انشاء أول دار لسك النقود الإسلامية في الأندلس. جاعلا من الأندلس ومدنها قرطبة وإشبيلية وغيرها من أهم المدن الاسلامية الأموية في عهده.
حاول الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور التصدي للداخل فارسل له جيشا جرارا التقى به قرب اشبيليه سنة 146هـ فى معركة حاسمة دامت عدة أيام وأسفرت عن مقتل سبعة آلاف من رجاله .. وقد بادر عبد الرحمن إلى قطع رؤوسهم، وألقاها سرا في أسواق مكة والقيروان، ومعها اللواء العباسي الأسود، ولم يكتم أبو جعفر المنصور، إعجابه بعبد الرحمن الداخل،.. وقال: ما هذا إلا شيطان، والحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر.
تمتع الداخل بأحسن الخصال فكان كريماً و متواضعًا، مخالطا للعامه مصلىا بالناس ، ويحضر الجنائز ويعود المرضى، ويزور الناس ويخاطبهم، وكان منقوشاً على خاتمه :
{ عبد الرحمن بقضاء الله راض و بالله يثق عبد الرحمن وبه يعتصم } .