أخر الاخبار

مسرحية الحرب الإيرانية علي الكيان الصهيوني

ماذا تعني كلمة مسرحية التي انتشرت فجأة كوصف لضرب إيران للكيان؟ هل تحمل الكلمة معنى واحد أم عدة معاني؟

لعل أول المعاني تأتي تأسيساً على الرؤية التي تروجها السعودية بواسطة الوهابية وهي أن الشيعة أخطر على الأمة من الصهاينة، أو أن هناك تآمر خفي بين يهود إسرائيل وشيعة  إيران الصفوية وذلك للإضرار بمصالح المسلمين العرب السنة في المنطقة، وهو ما يعني أن لا صراع حقيقي بين إيران وإسرائيل وإنما هي مجرد مناوشات بالاتفاق لخداع الجماهير السنية، وذلك فقط لنشر التشيع وهو ما يمثل مصلحة إيران وتأكيد مظلومية اليهود واستحقاقهم للدعم غير المشروط، في الوعي الشعبي الأوروبي والغربي عامة وهذا ما يعكس مصلحة إسرائيل. هذه الرؤية الغرائبية تعكس فساد المنطق الوهابي المخابراتي المسخر لخدمة الإمبريالية الغربية، فلا يُعول عليه ولا يستحق الرد.

المعنى الآخر، يعكس قليلا الرؤية التي تقول أن الضربة تمت في إطار من اتفاق مسبق بين إيران والولايات المتحدة من جانب وبين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، ذلك لكي تسحب الولايات المتحدة فتيل حرب إقليمية قد تتفجر فجأة وقد تكون هي غير مستعدة لتبعاتها الآن، وبالتالي على الولايات المتحدة أن تمنع إسرائيل من جرها لحرب مفتوحة ضد إيران وبالتالي تضمن أن تكون ضربة إيران الانتقامية من تدمير إسرائيل لقنصليتها في دمشق  في إطار سقف محدد لا تتجاوزه وهو ما تحاول إيران الالتزام به مع محاولة الوصول إلى الحد الأقصى من الضرر والتدمير الذي يمكن أن تلحقه بالكيان ويتقبله الأمريكان ويستطيعوا معه إقناع الإسرائيليين بقبوله دون رد، لكن في تلك الحالة تصبح كلمة مسرحية غير كافية لوصف هذا المشهد المعقد والذي يحكم الحركة فيه تناقضات عديدة بين القوي الإقليمية والعالمية وميزان من القوى المتغير، لكن تظل فكرة الاتفاق المسبق حتى لو كان ضمنيا حاضرة في المشهد وإن كان اتفاق مثل هذا لا يطعن في مصداقية الحدث وقوته.

وهناك نقطة مهمة يجب مناقشتها في هذا السياق وهي المصلحة الإيرانية ومصلحة الشعوب العربية (وليست الأنظمة) وهي النقطة التي حسب معالجتها وتحليلها يمكن إدراك المشهد بشكل موضوعي وهي بشكل مختصر (( لإيران مشروعها القومي وفي قلبه مشروعها النووي وهي سوف تفعل أي شيء وبأي طريقة لكي تمتلك السلاح النووي كي تحمي نفسها من محاولة الغرب الاستعماري لإجهاض مشروعها، وفي خضم هذا الصراع تأتي إسرائيل كقاعدة متقدمة للغرب الاستعماري دورها هو إجهاض أي محاولة صعود عربي أو مشرقي يهدد الهيمنة الغربية على موارد المنطقة وممراتها الاستراتيجية، ولهذا الغرض ضربت مصر في ٦٧ وضربت المفاعل العراقي في الثمانينات، لقد أجهضت المشروع العربي تماماً، والآن يتم استخدامها لإجهاض المشروع الإيراني، لكن إسرائيل رغم كونها أداة إلا أن لها مصالح في ذاتها تنمو مع الزمن وهو ما يفسر ظهور تناقضات ثانوية بينها وبين المركز الاستعماري في توقيت وطريقة إجهاض المشاريع القومية العربية أو المشرقية، وفي ثنايا  ذلك الصراع الكبير  تأتي حركات المقاومة الإسلامية التي ترعاها إيران من الثمانينات والتي تمثل لها حليف ومنطقة عازلة بينها وبين إسرائيل، كما تمثل أهم أدوات الضغط لديها على الغرب الاستعماري باعتبارها وسائل تضغط وتحاصر بها قاعدتها المتقدمة "الكيان"، لهذا إذا تخيلنا ترتيب الأولويات في الذهنية السياسية الإيرانية يأتي المشروع القومي النووي أولاً، وهو الواجب حمايته ثم القوات المسلحة الإيرانية ثانياً، ثم النظام البعثي الممانع في سوريا، ثم حركات المقاومة الإسلامية العربية على الترتيب حسب الأهمية في لبنان ثم غزة ثم اليمن)).  في هذا السياق يتقاطع المشروع الإيراني مع المصلحة الشعبية العربية وهي كبح وتحجيم جماح التغول الإسرائيلي والأمريكي وتعطيل مشروعاته في المنطقة، وهو للسخرية ما قد يمنح في بعض الأحيان مساحة من حرية الحركة والمرونة لدول المنطقة حتى لو كانت غارقة في التبعية للاستعمار الغربي ما يجعلها تقدم على المفاوضة حول تحسين شروط تبعيتها لدى المركز الاستعماري.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -