الشباب المصري والحلم الليبي
رغم كل ما تعانيه ليبيا من مشاكل سياسية وصراعات تؤثر على استقرارها، إلا أنها تبدو حلمًا للكثير من الشباب المصري المُعدم، فالدينار الليبي الذي يعادل أكثر من ستة جنيهات مصرية يبدو شيئًا يستحق المعافرة، خاصة للشباب الذين لم تتوفر أمامهم فرص لإكمال تعليمهم والسفر من البلاد بطريقة رسمية أو العمل بوظيفة ذات راتب يكفي احتياجاتهم.
إن كل ما يلزم لإتمام السفر إلى ليبيا هو أن تُجهز مبلغا يتراوح بين 15 إلى 20 ألف جنيهًا، يُدفع مباشرة إلى أحد السماسرة المعروفين بنجاحهم في تسفير الشباب إلى ليبيا من أجل العمل أو السفر من خلالها إلى أوروبا.
"عابرون في ليل الصحراء"
تنتظم قصة الشباب المهاجر بشكل غير نظامي في سلسلة من المراحل للوصول إلى ليبيا. بدايًة، يقوم سمسار بنقل مجموعة من الأفراد تتكون من عشرة أشخاص أو يزيدون قليلًا، إلى مدينة السلوم المصرية التي تُعد النقطة الأخيرة قبل الوصول إلى ليبيا، ثم يسلمهم إلى مجموعة أخرى من السماسرة من قبيلة "أولاد علي" الذين يعبرون بهم من حواجز الجيش المصري المنتشرة في تلك المنطقة، إلى أن يُسلموهم في النهاية إلى دليلهم الذي يعبر بهم الجبال ومسالكها الوعرة للدخول إلى ليبيا بعيدًا عن الحدود الرسمية بين البلدين. ويتحتم على المهاجر أن يسير حاملًا أمتعته في مسالك وعرة مدة قد تصل إلى أسبوع محاولًا الاختباء من حرس الحدود في البلدين، وتجنب حقول الألغام، وهوام الصحراء.
"بشرٌ في علب السردين"
يروي بعض العائدين من ليبيا أن من تخور قواه من الجوع والعطش يُترك للموت، فلا أحد في ذلك الموقف يملك سوى الاهتمام بنفسه، كما يسافرون في ظروف صعبة للغاية. فمؤخرًا، ضبطت السلطات الليبية 13 مصريًا مختبئين داخل صناديق أسفل إحدى الشاحنات في مدينة مصراتة، ويبدو منظرهم المؤلم في الصور التي عرضتها الجهات الليبية أشبه بعلب السردين.
ربما تصحبك السلامة وتصل إلى ليبيا لتعمل في مجال المعمار أو الزراعة، ولكن هناك آخرون يسافرون إلى ليبيا كترانزيت من أجل الهجرة عبر البحر إلى إيطاليا أو اليونان، والعديد من هؤلاء قد يواجهون مصيرًا تعسا بين أمواج البحر المتوسط.
يدفع أولئك الذين يسافرون إلى ليبيا كوسيلة للهجرة إلى اليونان وإيطاليا أضعاف ما يدفعه من يريدون الهجرة إلى ليبيا للعمل فقط، فالهجرة إلى بلد أوروبي في زورق في عرض البحر يتطلب تكاليف أكبر، كما أن مصاعبه أشق، وقد تنتهي بالمرء ضمن طعام الأسماك.
ورغم الإجراءات التي تتخذها ليبيا ومصر لوقف الهجرة غير النظامية، فيبدو أن كلا الحكومتين تستفيدان من تلك الأوضاع، لذا يتساهلان معها، فليبيا تستفيد من العمالة الرخيصة المصرية، والحكومة المصرية تزيح عن كاهلها عبء شباب يعانون البطالة، كما أنهم سيرسلون الأموال إلى ذويهم بعد عثورهم على عمل، مما يخفف الاحتقان المجتمعي المتفاقم على خلفية تردي الوضع الاقتصادي.
