أخر الاخبار

خدمة الديون وإقساط الديون تلتهم ميزانية مصر

فوائد وأقساط الديون تبتلع مخصصات الموازنة الجديدة
  

كشفت الحكومة المصرية عن مشروع الموازنة للعام المالي الجديد 2023-2024، وسط أزمة اقتصادية حادة يعيشها الاقتصاد، وهو ما يظهر في انخفاض قيمة الجنيه وشُح الدولار وارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية والخدمات بشكل غير مسبوق.

تظهر البيانات التي أعلنتها وزارة المالية الزيادة المستمرة في عبء الديون عام بعد آخر، وهو ما ينعكس على تخصيص 56% من إنفاق الموازنة لسداد القروض والفوائد. وسيصل مجموع ما ستدفعه مصر لخدمة الدين خلال العام المالي القادم إلى 2 تريليون و435 مليار جنيه. بما يعادل تريليون جنيه و120 مليار موجهة لسداد فوائد القروض، وتريليون و315 مليار جنيه لتسديد أقساط القروض، وسيذهب منها نحو 10 مليار دولار لسداد قروض خارجية. فيما من المتوقع أن تسدد مصر ما يصل إلى 100 مليار دولار من القروض خلال الخمس سنوات المقبلة.

"الأولوية للديون التي يتحمل المواطن وحده تكلفتها"

تهدف الموازنة العامة لأي دولة إلى تنظيم أولويات الإنفاق من أجل خدمة المجتمع، وحتى يتمكن المواطنون من التحقق من خطط الإنفاق التي وضعتها الحكومة، ومعرفة إذا ما كانت تتوافق مع أولوياتهم أم لا.

 ومن المفترض أن يكون الإنفاق العام للموازنة في أي دولة موجه بشكل أساسي للإنفاق على دعم رفاهية المواطنين وتحقيق أولوياتهم، من خلال الاستثمار في التعليم والصحة، والتركيز على الإنفاق الاجتماعي على الطبقات الفقيرة والمهمشة.

ولكن على العكس من ذلك تأتي موازنة الحكومة الجديدة، حيث تُظهر الإنفاق الضخم على بند الديون مقابل تهميش كافة البنود الأخرى، وذلك عبر إعطاء الأولوية لتسديد الديون على حساب مخصصات الصحة والتعليم ودعم السلع والخدمات وأجور الموظفين. ومن المعروف أن هذه القروض تم إنفاقها على مشاريع غير إنتاجية، مثل العاصمة الإدارية والمدن المُرفهة الجديدة التي تكلفت مئات المليارات، ثم أثبتت عدم جدواها، ولم تنجح في تحقيق عائد مادي أو جذب أي استثمار خارجي.

وبالرغم من إن المواطن لم يستفيد من هذه المشاريع في شيء، إلا أنه يدفع الآن تكلفتها، فعلى سبيل المثال إذا دفع مواطن 100 جنيه ضرائب للدولة، فإن 56 جنيه منها تذهب إلى تسديد هذه القروض.

 لذلك يصعب على المواطن الذي يُعاني بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية أن يتحمل كلفة عدم إتباع النظام المصري لسياسات مالية رشيدة، وإهمال وضع سقف للدين العام.

"إدمان الديون"

تقدر الحكومة المصرية العجز الكلي للموازنة بنحو 824.4 مليار جنيه، وهو الفارق بين إيرادات الموازنة ومصروفاتها. وكما هي العادة ستمول الحكومة هذه النسبة عن طريق الاقتراض. كما يلاحظ أن نصف الإيرادات المُعلنة تقريبا ستجنيها الدولة من خلال الاقتراض أيضا، إذ تستهدف اقتراض 2 تريليون و140 مليار جنيه خلال العام المالي الجديد.

تكشف بيانات وزارة المالية أن الحكومة تستهدف الاستدانة من السوق المحلي بقيمة تقترب من 2 تريليون جنيه، وذلك عن طريق طرح أدوات الدين للبنوك والمستثمرين ومنحهم عائد يٌعد الأعلى في العالم حيث يصل إلى 23%، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العائد في المستقبل. وذلك بالإضافة إلى الاقتراض الخارجي من مؤسسات التمويل الدولية وإصدار سندات دولية بقيمة تصل إلى 184.5 مليار جنيه (5.9 مليار دولار).

نلاحظ أن الاقتصاد المصري يدور في فلك الديون، ويبحث المسؤولين عن حل لأزمة اليوم دون اكتراث للأزمة التي يصنعونها للمستقبل مع المزيد من الاستدانة كأنه إدمان، حيث أصبحنا نستدين اليوم ديوناً مستحقة السداد خلال شهور قريبة وبفائدة مرتفعة لمجرد سداد ديون قديمة، وعندما تنقضي هذه المدة القصيرة ويحين موعد السداد نستدين مرة أخرى في حلقة مفرغة لا يعرف أحد متى ستنتهي!

 "متى تتوقف عجلة الإنفاق؟"

اقتربت مصروفات الموازنة من 3 تريليون جنيه بمعدل نمو عن العام السابق يصل إلى 44%، وهو رقم كبير جداً، ويرى الخبراء أن حجم المصروفات لا يتناسب مع حجم النمو، إذ لم يقابله ارتفاع في الإيرادات أو زيادة في حجم الموارد التي تجنيها الدولة.

كما نلاحظ ارتفاع بند الاستثمارات العامة بمعدل زيادة يبلغ 55% عن العام السابق، ليصل إلى 586 مليار جنيه، ما يعني أن الحكومة مستمرة في الإنفاق على المشاريع الكبرى، ولا تنوي التوقف والاستجابة لمطالب صندوق النقد، وتحذيرات المؤسسات المالية التي ترى إنه في حالة استمرار الحكومة المصرية على نفس الوتيرة، وامتناعها عن إجراء إصلاحات هيكلية بشكل عاجل، فقد تواجه على المدى المتوسط خطر التعثر عن سداد الديون وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها.

 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -