من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في بداية العام الماضي نرىّ تنديد وإستنكار عالمي واسع النطاق، وهذا سلط الضوء على إزدواجية المعايير، التي يعتمدها الغرب في ما يتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان في العالم بأسره، ولاسيما الإنتهاكات البشعه ضد الشعب الفلسطيني، ولانرىّ غير صمت غربي غير مبرر تجاة معاملة إسرائيل للفسلطنيين، وأصبح حديثهم عن حقوق الإنسان، والديمقراطية حسب الهوا تحلو لبعض الدول وتُحرم على الآخرين لهذا سئمت شعوب العالم العربي بصفة خاصة وشعوب العالم بأكمة عامة من إستمرار إزدواجية المعايير والكيل بمكيالين.
وأصبحت الإستجابة القوية من الدول الغربية للعدوان الروسي على أوكرانيا تتناقض تناقضاً حاداً مع التقاعس المشين عن التصدي بصورة مجدية للإنتهاكات الفادحة التي يقترفها حليفة الغرب إسرائيل،
وأن الإستجابات للغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في فبراير 2022 الماضي أكدت؛ للجميع على ما يمكن القيام به إذا ما توافرت الإرادة السياسية، ولقد رأينا التنديد العالمي، والتحقيقات في الجرائم التي إرتكبت ضد الشعب الأوكراني.
فضلاًعن؛ فتح الحدود على "مِصْرَاعَيْهِا" أمام اللاجئين الأوكرانيين، على عكس المعاملة التي نراها مع باقي اللاجئين من الدول الآخرىّ، لذا؛ كان يجب أن تكون على خطىّ هذه الإستجابة للغزو الروسي لأوكرانيا، نموذجا يبين لنا كيف نتصدىّ لجميع الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في فلسطين، وقد فرضت الكثير من الدول الغربية عقوبات على روسيا، وفتحت حدودها أمام اللاجئين الأوكرانيين بعد الغزو في حين باشرت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً حول جرائم حرب محتملة في أوكرانيا على النقيض صمت بشكل مخزي تجاة جرائم في فلسطين على مدار عقود.
فإن الحرب الروسية الأوكرانية أبرزت قصوراً جسيماً متعمد في الإستجابة للإنتهاكات في مناطق أخرىّ من العالم أبرزها فلسطين، ويتمثل هذا القصور
في الصمت الذي يصم الآذان عن سجل دولة الإحتلال في مجال حقوق الإنسان، والتقاعس المتعمد عن إتخاذ أي إجراء بشأن الإنتهاكات في فلسطين، والإمتناع عن التصدي لنظام الفصل العنصري الذي تمارسه ضد الفلسطينيين، والذي يرقىّ إلى مستوىّ سياسات فصل عنصري على غرار ما كان يحصل في جنوب أفريقيا من فصل، وتمييز بين البيض والسود وهي تهمة كانت ترفضها إسرائيل،
التي مازالت مستمرة على مرأ ومسمع من الجميع، في طرد الفلسطينيين من بيوتهم، فضلاًعن؛ الخطط التي أطلقتها السلطات الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات غير القانونية في مختلف أنحاء الضفة الغربية على نحو مفرط.
ولم يصل الأمر عند هذا الحد بينما واصلت إسرائيل فرض نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين، وشنّت القوات الإسرائيلية هجوماً على غزة إرتكبت خلاله ما يبدو أنها جرائم حرب، وقد فاقم ذلك الهجوم من أزمة حصار إسرائيل غير القانوني لغزة الذي يرقى إلى مستوىّ العقاب الجماعي،
وفي تصعيد لقمع القوات الإسرائيلية للمجتمع المدني الفلسطيني، إقتحمت أكثر من "7 " مقرات لمنظمات مجتمع مدني في أغسطس الماضي، ورحّلت بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، وسجلت حالات الإحتجاز بدون تهمة أعلى مستوياتها منذ 15 عاماً وإستمرّت أعمال عنف المستوطنين أخرها إحراق منازل وسيارت قرية فلسطينية، وسط إفلات تام من العقاب.
ومازال يعانى الفلسطينيون في كل المناطق من التهجير القسري كما هو الحال، وشاهدنا هُدم قرية العراقيب مجدداً، وهي واحدة من بين 35 قرية محرومة من الإعتراف الرسمي، ويأتي الحديث المتناقض، والمثير للسخرية حول حقوق الإنسان في إسرائيل، وفي الإتجاه المعاكس إنتهاكات على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشكّل نظام الحكم القمعي والتمييزي المجحف، الذي تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين على نحو مستمر، نظام فصل عنصري "أبارتهايد" وإرتكب المسؤولون الإسرائيليون جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي، وشنت القوات الإسرائيلية هجوماً دام ثلاثة أيام على قطاع غزة المحتل في أغسطس الماضي، وإرتكبت خلاله ما يرقىّ لجرائم حرب، وقد ضاعف ذلك من وطأة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 15 عاماً الذي يبلغ حد العقاب الجماعي غير المشروع، ويزيد من شرذمة الأراضي الفلسطينية.
وصعّدت سلطات الإحتلال قمعها حرية الفلسطينيين في تكوين الجمعيات، أو الإنضمام إليها، كما فرضت إجراءات الإغلاق والقيود التعسفية على حرية التنقل التي بلغت حد العقاب الجماعي، وبخاصة في شمالي الضفة الغربية، وذلك بدعوىّ الرد على الهجمات المسلحة التي شنها الفلسطينيون على الجنود والمستوطنيين الإسرائيليين، وشهد هذا العام تصاعداً في عدد أبناء الشعب الفلسطيني الذين قُتلوا بصورة غير مشروعة، وأصيبوا بجروح بالغة على أيدي القوات الإسرائيلية أثناء مداهمات في الضفة الغربية، وبلغ عدد حالات إحتجاز الفلسطينيين رهن الإعتقال الإداري مستوى لم يُشهد له مثيل منذ 15 عام، وإستمر التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وأتعجب هنا من نهج سياسة قادة الدول الغربية لن يكتفو بإزدواجية المعايير التي باتت نهج لسياستهم، ولاحظها جميع الشعوب في دول العالم، عندما إستقبلت اللاجئين الأوكرانيين" بِتَرْحَابٍ بِبَشاشَةِ" إلا أنها لا توفر المعاملة نفسها للفارين من سوريا، وأفغانستان وليبيا وغيرهم، فضلاًعن؛ أنهم بدلاً من مطالبة إسرائيل بوضع حد لنظام الفصل العنصري الذي تنتهجه لعقود، إلا أنهم يقوموا بمهاجمة من ينددون به!، فإذا كانت حرب روسيا على أوكرانيا ، تُظهر شيئاً من أجل مستقبل العالم، فيعُد أهمية قصوىّ لوجود نظام دولي فعال يستند إلى قواعد يتم تطبيقها على نحو "متسق" ويجب على جميع الدول، وخاصة العربية والمسلمة، تصعيد جهودها من أجل نظام يقوم على القواعد ويعود بالفائدة على جميع البشر في كل مكان في العالم.
وأُشير: في مقالي إلى، ما لخصة المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة لدىّ الأمم المتحدة إلى أن النظام السياسي للحكم الراسخ، في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين قد يستوفي المعيار الإستدلالي السائد لوجود الفصل العنصري، وأكد؛ في وقت لاحق على المعني بالحق في السكن اللائق للفلسطينيين إلى الإستنتاج نفسه في ما يتعلق بسياسات هدم المنازل التي تنتهجها إسرائيل، ونددت بعض الدول، بما فيها جنوب إفريقيا، بالفصل العنصري الإسرائيلي في تصريحات ترددت فيها أصداء البيانات الصادرة عن منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية، وبالرغم من جميع الإعتراف المتزايد، ظلت إسرائيل تستفيد من الإفلات من العقاب، بفضل دعم حلفائها الرئيسيين "أمريكا" وغيرها.
مشيراً؛ إلى التقرير التي لخصتة لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل إلى أن إحتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني بسبب إستمراره وإجراءات إسرائيل لضم الأرض الفلسطينية في القانون والممارسة، وفي 2022، شملت تلك الإجراءات إصدار تراخيص للبؤر الإستيطانية بأثر رجعي، بما في ذلك التراخيص الصادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية.
وفي نفسي السياق؛ أجرت إسرائيل “5” إنتخابات لها خلال ثلاث سنوات، في أعقاب سقوط حكومة إئتلافية متنوعة أيديولوجياً، إستمرت في التمييز ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، وقد إتسمت هذه الإنتخابات بالإستقطاب بين المؤيدين والمعارضين لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"آنذاك؛ ولكن ظل الإجماع منعقداً على إستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية أيضاً، وحصلت كتلة الأحزاب اليمينية بقيادة " نتنياهو" والائتلاف القومي المتطرف على أغلبية المقاعد، وشكّلت حكومة في ديسمبر الماضي.
كما أُشير؛ إلى الفصل العنصري التي بينتة المنظمات الدولية، المعنية بحقوق الإنسان، وكان أبرزهم تقرير منظمه العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، الذي بين كيف تفرض إسرائيل نظاماً مؤسسياً من القمع والهيمنة على الشعب الفلسطيني حيثما تمارس السيطرة على حقوقهم، فتشرذم وتعزل، وتفرّق الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، والمقيمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واللاجئين الفلسطينيين المحرومين من الحق في العودة، ومن خلال عمليات الإستيلاء على الأراضي والممتلكات على نطاق واسع، وأعمال القتل غير المشروع، وتكبيد الفلسطينيين إصابات بالغة، وعمليات النقل القسري، وفرض قيود تعسفية على حريتهم في التنقل، وحرمانهم من الجنسية.
فضلاًعن؛ أفعال أخرىّ لا إنسانية، يتحمّل المسؤولون الإسرائيليون مسؤولية الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالفصل العنصري الواقعة ضمن ولاية المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى أعادت السلطات الإسرائيلية سنّ قانون المواطنة والدخول لإسرائيل"أمر مؤقت" الذي يفرض قيوداً واسعة للغاية على لم شمل الأسر الفلسطينية بين المواطنين، أو المقيمين في إسرائيل وأزواجهم، وزوجاتهم من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بغية الحفاظ على الأغلبية السكانية اليهودية، وأيدت المحكمة العليا الإسرائيلية في وقت لاحق قانوناً يسمح لوزارة الداخلية بتجريد المواطنين من جنسيتهم إذا أدينوا بأفعال تبلغ حد خرق الولاء للدولة، وللأسف ومنذ سن هذا القانون في 2008، لم يُنظر في تطبيقه إلا ضد فلسطينيين فقط من حملة الجنسية الإسرائيلية.
وألفت: في مقالي إلى عمليات الإخلاء القسري المستمرة، والتي ظل عشرات الآلاف من الفلسطينيين عرضة لخطر الإخلاء القسري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في مايقرب عن خمسة آلاف يعيشون في تجمعات محلية فلسطينية تعمل في الرعي في غور الأردن، وجبال جنوب الخليل، وهدمت السلطات الإسرائيلية أكثر من “960” بناية فلسطينية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدىّ إلى تهجير حوالي "1,060" فلسطيني، وهذا أثر على سبل عيش عدة آلاف آخرين، كما ألفت؛ إلى قرار المحكمة العليا الإسرائيلية التعسفي، بالنقل القسري لأكثر من “1050” شخص من سكان مسافر يطّا في جبال جنوب الخليل من أراضي أسلافهم.
وختاماً: من حق الفلسطينيين
معرفة الحقيقة، ويجب تحقيق العدالة، والحصول على التعويض، ومعرفة من وراء إستمرت السلطات الإسرائيلية في الإمتناع عن التعاون مع تحقيق مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية، بالرغم من قرار المحكمة عام 2021 بفتح تحقيق بشأن الحالة في فلسطين، ومن يدعمها ويساعدها على التقاعس المتعمد، والمستمر من قبل السلطات الإسرائلية عن إجراء تحقيق وافٍ بشأن الإنتهاكات والجرائم بموجب القانون الدولي.
وإستمرار سلطات الإحتلال في الضفة الغربية، التي ما ظلت مستمرة في عمل أكثر من “176” نقطة تفتيش دائمة، وغيرها من حواجز الطرق، فضلاًعن؛ عشرات الحواجز المؤقتة غير المنتظمة، ونظام التصاريح الصارم، بدعم من منظومة بيومترية قمعية للمراقبة، وتسيطر على المجتمعات الفلسطينية وتشرذمها، بالإضافة؛ إلى أن سلطات الإحتلال فرضت قيوداً إضافية على حرية التنقل في الضفة الغربية المحتلة، وجاءت هذه القيود حسبما ورد من الجهات الرسمية الفلسطينية بزعمها رداً على الهجمات الفلسطينية على الجنود والمدنيين الإسرائيليين، وشملت إجراءات الإغلاق الواسعة للغاية، والتعسفية التي عكرت صفو الحياة اليومية بشدّة، وبلغت حد العقاب الجماعي غير المشروع.