أخر الاخبار

صندوق النقد الدولي يوافق علي قرض مصر والتعويم

صندوق النقد الدولي يوافق على قرض لمصر لمكافحة العجز المالي وتمكين القطاع الخاص

إبراهيم نوار 

بعد جولات من المفاوضات الشاقة بين القاهرة و واشنطن، خلال الفترة من انعقاد المؤتمر السنوي للصندوق في أبريل إلى دورة الخريف في أكتوبر، توصلت مصر إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، للحصول على مساندة مالية بقيمة 4 مليارات دولار، كما تعهد الصندوق بالتنسيق مع شركاء مصر الدوليين والإقليميين لإتاحة قروض إضافية بقيمة 5 مليارات دولار قبل نهاية العام الحالي، حيث من المقرر عرض الإتفاق على مجلس مديري الصندوق في شهر ديسمبر المقبل، حسب البيان الصادر عن الصندوق في هذا الخصوص.

دراما مالية
وكانت مصر قد عاشت حالة دراما مالية مثيرة يوم الخميس الماضي عندما استيقظ الجهاز المصرفي على بيان أصدره حسن عبد الله، القائم بأعمال محافظ البنك المركزي، أعلن فيه رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، إلى 13.25 في المئة للإيداع و 14.25 في المئة للإقراض، والالتزام الدائم بمرونة سعر صرف الجنيه، والتخلي عن نظام الإعتمادات المستندية لتمويل التجارة الخارجية بنهاية العام الحالي. 

وجه الدراما هنا هو أن البيان جاء بإجراءات تخالف تماما ما كان المسؤولون قد رددوه في المؤتمر الاقتصادي، ومنهم محافظ البنك المركزي، الذي كان قد عرض برنامجا إجرائيا لفك الارتباط بين الجنيه والدولار، تحت مبرر أن الولايات المتحدة ليست شريكا مهما لمصر. وبصرف النظر عن تقييم تصريحات المسؤولين، فإن البيان جاء على العكس تماما مما كان قد قيل واستقر تقريبا خلال الأيام الثلاثة للمؤتمر الإقتصادي. وقد تسببت الصدمة في توقف المعاملات تقريبا في البنوك لعدة ساعات، حتى عادت جزئيا حتى نهاية اليوم. 

كذلك فإن رئيس الوزراء ووزير المالية بادرا إلى عقد مؤتمر صحفي في اليوم نفسه، للإشادة بقرار السيد رئيس الجمهورية بزيادة الحد الأدنى للمرتبات والأمور بنسبة 11 في المئة إلى 3000 جنيه مصري بدلا من 2700، بعد أن كان البنك المركزي والجهاز المركزي للإحصاء قد أعلنا أن معدل التضخم السنوي، في نهاية الشهر الماضي، سجل ارتفاعا إلى 15 في المئة. كما أعلنا بعض تفاصيل الاتفاق على قرض صندوق النقد الدولي. 

وبنهاية ذلك اليوم ارتفعت قيمة الدولار بنسبة 14 في المئة مقابل الجنيه المصري، كما قفزت أسعار الفائدة التي طلبتها البنوك لتمويل ديون الخزانة المصرية إلى 25 في المئة. لكن الخزانة رفضت هذه النسبة المبالغ فيها وقبلت بعروض بقيمة تقل عن 20 في المئة. ولمواجهة نقص السيولة المصرفية طرحت البنوك المملوكة للدولة (الأهلى ومصر والقاهرة) شهادات استثمار بعائد مرتفع يبلغ 17.5 في المئة يصرف سنويا للعملاء، أو بعائد 16 في المئة يصرف شهريا. 

دور قيادي للقطاع الخاص
تبلغ قيمة قرض التسهيلات المالية الممددة 3 مليارات دولار، لن تحصل عليه مصر دفعة واحدة، ولكن على دفعات ممتدة على مدى 4 سنوات تقريبا (46 شهرا)، على أن يتم مراجعة تنفيذ الشروط المطلوبة قبل صرف الدفعة التالية. ولم يعلن الصندوق تكلفة القرض، لكن المرجح أن يكون معدل الفائدة والرسوم الإضافية في حدود 4 في المئة سنويا. 

وقد تم اعلان بيان التوصل للإتفاق، بعد أن تم الوفاء بعدد من الشروط المسبقة التي كان الصندوق قد حددها، للمضي قدما في مفاوضات القرض وإقراره. أهم وأول هذه الشروط كان تحرير سعر الصرف من القيود الإدارية، والالتزام الدائم بالمرونة الكاملة في سوق الصرف الأجنبي. 

وبرر الصندوق إصراره على هذا الشرط بأن مصر لن تستطيع جذب أي استثمارات أجنبية إذا استمر نظام سعر الصرف الإداري، وأن قدرات مصر التنافسية ماليا وتجاريا واستثماريا تستلزم بالضرورة تحقيق المرونة الكاملة لسعر الصرف. ومن الواضح أن هذه كانت النقطة الشائكة التي عطلت التوصل إلى اتفاق خلال الفترة من أبريل إلى أكتوبر، بل ووصل الخلاف بشأنها بين الطرفين إلى حد توقف المفاوضات، حتى قامت الحكومة بإبلاغ بعثة الصندوق في القاهرة، بأنها أصبحت مستعدة لقبول شرط الالتزام بمرونة سعر الصرف. 

كذلك تضمنت الاستجابة المصرية للطلبات الواردة في كراسة شروط عقد القرض، تعزيز شبكة الأمان الإجتماعي باتخاذ إجراءات لحماية محدودي الدخل وأصحاب المعاشات من تآكل القوة الشرائية للدخل بسبب التضخم. وفي هذا السياق جاء قرار زيادة الحد الادني للمرتبات والأجور، كما أعلنت مصر ايضا تخفيف القيود المفروضة على التجارة الخارجية بإلغاء نظام الاعتمادات المستندية، وترك مسؤولية تمويل الواردات للمستوردين بكافة الطرق الممكنة، وهو ما يعني حرية تدبير العملات الأجنبية من مصادر مختلفة. 

ومن ثم فإن قرارات رفع سعر الفائدة، وترك قيمة الجنيه لقوى السوق، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإلغاء نظام الاعتمادات المستندية، لم تكن اختيارات محلية للسياسة الاقتصادية وإنما كانت تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي المسبقة، واستجابت لها الحكومة بعد ممانعة استمرت حوالي 7 أشهر. 

وخلال تلك الفترة خسر الجنيه حوالي 15 في المئة من قيمته، وارتفع معدل التضخم إلى 15 في المئة، وتعطلت إمدادات السلع بما فيها السلع الغذائية وقطع الغيار والسلع الوسيطة، وتراجعت معدلات النمو في القطاعات العينية الإنتاجية، واضطرت الحكومة إلى بيع الكثير من الأصول المالية والإنتاجية المدرة للدخل، واستخدمت حصيلة البيع في سداد الإنفاق الجاري، ومنه سداد فوائد الديون الحكومية، خصوصا تلك المستحقة على الدين الخارجي. 

ضرورة تخفيض الديون
وتتضمن شروط الصندوق قائمة طويلة من المراجعات للسياسة المالية والاقتصادية بشكل عام، من أهمها ضمان المنافسة، وأن يكون القطاع الخاص هو الذي يقود التنمية، وأن تلتزم الحكومة بتحقيق الاستقرار المالي، وعدم التغيير المفاجئ للسياسات والقوانين، ومكافحة التضخم، وضرورة تخفيض الدين الحكومي الداخلي والخارجي، وتخفيض نسبة تمويل الموازنة العامة بالعجز، وأن يكون إصلاح المالية العامة مصحوبا بإصلاح النظام الضريبي، وزيادة الإعتماد على مبدأ الضرائب التصاعدية، ورفع درجة كفاءة نظام التحصيل الضريبي، وتعزيز شبكة الأمان الإجتماعي، وزيادة مخصصات السلع التموينية وتوسيع نطاق البطاقات التموينية للفئات الضعيفة إجتماعيا. 

ويمكن القول بشكل عام بأن قائمة من الإجراءات التي يتعين على الحكومة تنفيذها خلال مدة القرض، تهدف جميعها إلى ضمان تحقيق إصلاحات هيكلية في الاقتصاد وفي السياسة الاقتصادية تساعد على إطلاق قدرات نمو الإقتصاد المصري. 
  
وإضافة إلى قرض التسهيلات الممددة، طلبت مصر قرضا إضافيا من خلال آلية جديدة أنشأها صندوق النقد الدولي لتمويل احتياجات قدرة الدول على "التحمل ومقاومة الصدمات والمحافظة على النمو". القيمة التي ستحصل عليها مصر، طبقا لهذه الآلية حسب نص بيان الصندوق "تصل إلى مليار دولار". بمعنى أنها يمكن أن تكون أقل، وليس أكثر. 

ويؤكد الصندوق أن الشركاء الإقليميين والدوليين لمصر سيلعبون دورا مهما في تحقيق الإصلاحات المطلوبة، على أساس الشروط التي وضعها. ويمثل قرار مجلس المديرين بإطلاق القرض الضوء الأخضر للشركاء والأسواق المالية للعودة إلى السوق المصرية بقوة. 

ويطمح الصندوق إلى تنسيق قروض من خلال الشركاء بقيمة 5 مليارات دولار خلال عام 2023. ومع ذلك فإن المبلغ الإجمالي لحزمة للتمويل من الصندوق او من الشركاء ومؤسسات التمويل الإقليمية مثل البنك الأوروبي وبنك التنمية الأفريقي، الذي يقدر بنحو 9 مليارات دولار لن يكفي لتغطية احتياجات مصر التمويلية الخارجية في العام القادم، وهو ما يعني أن مصر تحتاج إلى العودة بقوة لسوق السندات الدولية لسد فجوة الاحتياجات التمويلية. 

ما يجب التأكيد عليه هو أن الصندوق رد على مماطلة الحكومة في المفاوضات خلال الأشهر الماضية بالمزيد من التشدد، وسوف تشهد الأشهر المقبلة إستمرار هذا التشدد، نظرا لأن الثقة في سياسات الحكومة ونواياها أصبحت تشوبها الشكوك، وهي الآن أضعف عما كانت من قبل. ونظرا لأن قرض مصر ليس مطروحا على جدول اجتماعات مجلس المديرين قبل ديسمبر المقبل، فإن الحكومة المصرية ستواجه صعوبات في ترتيب أوضاعها المالية من الآن وحتى نهاية العام. 

صحيح أنها عبرت عن حسن نواياها بالإجراءات التي تك إعلانها يوم 27 من الشهر الحالي، لكن هذا لن يكفي لطلب التعجيل في إقرار القرض، إلا إذا طرأت ظروف قاهرة تستدعي تعديل بنود جدول اجتماع للمجلس في وقت أقرب. 

وخلال هذه الفترة، من الآن وحتى نهاية العام، ربما تقدم الإمارات أو السعودية مساعدة مالية للحكومة للوفاء بالتزامات عاجلة يصعب تأجيلها إلى ما بعد نهاية العام الحالي، أو لتوفير سيولة بالعملات الأجنبية لدى البنك المركزي لسداد فواتير الواردات المتراكمة في الموانئ والمراكز الجمركية والإفراج عنها. 

مديونية مصر للصندوق 
بحصول مصر على القرض الجديد لصندوق النقد الدولي، ترتفع قيمة الدين القائم المستحق على مصر للصندوق من 17.4 مليار دولار إلى 21.4 مليار دولار، وذلك بإضافة 3 مليارات تسهيلات ممددة، و مليار تحمل واستدامة. ويغطي جدول سداد مستحقات الصندوق حتى الآن، وقبل القرض الجديد فترة تمتد إلى عام 2026، على النحو التالي:

- العام الحالي: 746.6 مليون دولار
- عام 2023 : 3.4 مليار دولار
- عام 2024 : 5.9 مليار دولار
- عام 2025 : 4.8 مليار دولار
- عام 2026 : 2.4 مليار دولار 

وتتوقف قدرة مصر على سداد القروض الخارجية المستحقة عليها، بما فيها قروض الصندوق، على عدد من المؤشرات المهمة، تتضمن صافي الحساب الجاري، وصافي احتياطي النقد الأجنبي، وصافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي، وصافي ميزان الاستثمار. هذه المؤشرات كلها هي في منطقة سلبية حاليا، باستثناء احتياطي النقد الأجنبي الذي تمت تغذيته بودائع خليجية جديدة، إو تمديد أجل ودائع كانت قد انتهت مدتها. ولا تستطيع مصر التخلف عن سداد أقساط وفوائد الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي، لأن هذا يعرضها لخطر سحب شهادة صلاحيتها للاقتراض من سوق المال العالمية أو الحصول على مساعدات من حكومات أو مؤسسات حكومية. 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -