أخر الاخبار

نبيل أبوالياسين يكتب : الحرب التي لاتنتهي والإطاحة المستحيلة "بوتين" وشهوة السلطة

كان ظهور"فلاديمير بوتين" في عالم السياسة الروسية حدثاً مباغتاً وغريباً، لأنه لم يكن من تلك الشخصيات التي كان لها تأثير وحضور في الوسط السياسي آنذاك، سواء في المرحلة الشيوعية، أو في المرحلة التالية، وما أثمرتهُ من موجة جديدة من المتطلعين الى العمل السياسي في إطار تيارات، وأحزاب ناشئة تنتمي الى أيديولوجيات، ونظريات وأفكار سياسية جديدة، ولم يخرج "بوتين" من رحم كواليس اللعبة السياسية الحامية التي كانت تعصف في قمة الهرم السلطوي المتأرجح تحت ضربات ما عرف على ما يقرب من أربعة عقود على سقوط، وتفكك الإتحاد السوفياتي بالبريسترويكا، و"الغلاسنوست”. 

وهاتان الفكرتان كانتا رافعة "ميخائيل غورباتشوف" رئيس الإتحاد السوفياتي سابقاً، إلى فضاء السوشيال ميديا الغربية، وكان عامل الجذب لأوسع الفئات الشعبية المتطلعة للتغيير حينها، وإحدى معارك "بوتين" الاولى كانت مع أبرز رموز الأوليغارشية، وغالبيتهم الساحقة من اليهود الذين لطالما نجحوا في الإستئثار بمقاليد الحكم في روسيا سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال مواقعهم في السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ويتساءل البعض عن كيفية التخلص من الرئيس الروسي المُتعجرف"فلاديمير بوتين" الذي تسبب في أزمة عالمية قد يستمر أثارها لعدة سنوات بعد إنتهاء الحرب غير معلومة الملامح ، والجواب: لا أحد يستطيع التخلص من الدب الروسي المتكبر، ولكم ما هو أسهل للتخيل، إعلان مفاجئ من "بوتين" عن نهاية الحرب على أوكرانيا، وسحب قواتهُ من الأراضي الأوكرانية، أم روسيا من دون الدب الروسي العنيد تعيد النظر في سياساتها، وتنهي الحرب، وتبدأ بناء علاقات مع جارتها أوكرانيا، والغرب وعلى قاعدة سليمة، وسلمية جديدة؟ وهو سؤال من الصعب الإجابة عنه، فالحرب في أوكرانيا هي نتاج عجرفة، وهوس شخصي "لـ"بوتين، ومن غير المحتمل أنه سيوافق على إنهائها ويحاول تدميرها كما دمر سوريا من قبل.

وبعد أكثر من 6 أشهر  على الحرب، لا يبدو أن سلطة الرئيس “بوتين"أقل قوة مما كانت عليه في زمن السلم، وتظهر الإستطلاعات المزيفة جبراً إرتفاعاً في شعبيته، وحتى المرشحان المحتملان لخلافته، "ميخائيل ميثوستين" رئيس الوزراء و"أليكسي نافالني" لا يعدان تهديداً له، فالأول مرتبط بالولاء مع "بوتين"، والثاني في السجن حكم علية بـ 9 سنوات، وتم  نقلة مؤخراً إلى مكان مجهول، وقال أحد كبار مساعدي "نافالني" المعارض الروسي المسجون إنه نُقل من زنزانته في السجن إلى مكان مجهول، وقبل أسبوعين من نقلة أتهم المعارض في قضية جديدة، وهي تشكيل منظمة متطرفة، والتحريض على كراهية السلطات.

متواصلاً: لا نعرف أين يوجد أليكسي الآن أو إلى أي سجن تم نقله، وهذا ما كتبه "ليونيد فولكوف"، كبير موظفي نافالني، في بيان على تطبيق تيليغرام يوم الثلاثاء 14 يونيو حزيران 2022، ولكي يصل أي منهما  الأول والثاني إلى السلطة، يجب رحيل بوتين، لكنه لن يذهب إلى أي مكان طالما لم يحدث تغير مفاجئ في قلب السلطة، أو عانى الرئيس الروسي المتجبر من مشكلة طبية طارئة، فخليفة بوتين الآن ربما هو "بوتين" نفسه.

ونرىّ أن هذا منظور قاتم، وواحد قد يجد الكثيرون صعوبة في تقبله ولكنها الحقيقة المره، والسؤال هنا؛ لماذا لم تتحرك النخبة الحاكمة التي تواجه رئيساً قاد البلد للدمار، وتأثروا أنفسهم بشكل سيئ من الحرب، لإزاحة الرئيس المعتوه "بوتين" عن السلطة؟ أين هم التكنوقراط، والعاملون الذين يتدبرون بأسم مصلحة طبقتهم، وبلدهم أمر الإطاحة بالرئيس؟ وأسئلة كهذه تجد صوتاً في الغرب هي عبارة عن تحسر أكثر من كونها حافزاً على التحليل ، فالجواب قريب من متناول اليد ولكن لايستطيعون.

 وعلى مدار السنوات الماضية، إعتمدت المعارضة الروسية في داخل، وخارج روسيا على موضوع واحد لإشعال إهتمام الناس وهو الفساد،  وإستطاع النهج، ولفترة تحقيق نتائج مثمرة، وبخاصةً على يد "نافالني" الذي يتم قمعه الأن داخل السجون، والتي أنتج أشرطة فيديو، وثقت فساد النخبة الحاكمة، بمن فيها "بوتين"، ولطخت شعبيته، إلا أن الفساد هو الغراء الذي يمسك النظام معاً ويجعلة ملتصقاً ببعضهم البعض، وليس المحفز للإطاحة به، فمن خلال إقامة نظامهُ على السرقة التي يمارسها أتباعه، فلم يكن هدف "الدب الروسي" التأكد من رفاههم وراحتهم، بقدر ما ربط الطبقة الحاكمة بنظام تآمري، ومسؤولية جماعية، ما يؤكد على تضامنهم المطلق معاً.

وفي هذا الظرف، لا يمكن لأي شخص الظهور، ويتحدى الرئيس، أو بالمعنى الدقيق للكلمة، فليس صحيحاً وصف النظام هذا بالفاسد، فالفساد يتطلب إنحرافاً عن القانون، ولكن في روسيا وفي ظل حكم"بوتين" القمعي
جميعها تُعد قانونية.

وتجبر الرئيس الروسي في الأرض، وأصبح لايبالي لما  تسببت له هذه الحرب الغير مبررة في آزامات عدة يعاني منها العالم بأسرة في مقدمتها أزمة الغذاء التي يعاني منها جميع الدول الغنية قبل الفقيرة، فضلاً: عن علو الأسعار،  بل تجبرة وصل لقتل من يعارضهُ حتى خارج روسيا فتم العثور على جثة معارض شرس لـ "بوتين" مساء الخميس الماضي ميتاً خارج شقتة "بواشنطن".

 
فقد عثر على "دان رابوبورت"رجل الأعمال الأمريكي من أصل لاتفيا الروسية، والمعارض الشرس للرئيس "فلاديمير بوتين"، مقتولاً خارج شقة فاخرة في العاصمة الأمريكية واشنطن، وقالت شرطة واشنطن، إن حادثة وفاة رابوبورت قيدالتحقيق، بعد العثور على جثته في حي جورج تاون، وأوضحت الشرطة أنه تم العثور على مبلغ 2500دولار بالقرب من الجثة وهاتف خلوي محطم، ومقتنيات شخصية.

وكثيراً وعلى مدىّ 6 أشهر من إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ما إنتقد "رابوبورت" الرئيس الروسي، ووصفه بأنه رجل فاسد وشرير ومخادع وخطير، وقبل يومين من وفاته، نشر "رابوبورت" ما يمكن أن يكون آخر مشاركة له عبر فيسبوك، وهي: صورة لمارلون براندو في دور العقيد كورتز في فيلم "أبوكاليبس ناو"، مصحوبة بتعليق «الرعب، الرعب»، وفي الأشهر التي سبقت وفاته، ذكرت أنباء أن "رابوبورت"دخل في نزاع مع شركة روسية، كانت تحاول خداعه بمبلغ 10000 دولار، كما زعم في رسالة إلى صديق.

وولد رابوبورت في لاتفيا عندما كانت جزءً من الإتحاد السوفيتي، في عام 1980، وهاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة بعد منحها حق اللجوء السياسي، وفي عام 1991، تخرج "رابوبورت "من جامعة هيوستن، وبعد سقوط الإتحادالسوفيتي، إنتقل إلى روسيا وعمل كمصرفي إستثماري.

وغادر "رابوبورت" روسيا في عام 2012 بسبب دعمه للمعارض"أليكسي نافالني"، الذي يقضي حالياً عقوبة طويلة في سجن شديد الحراسة،
وعاد إلى الولايات المتحدة مع زوجته الأولى، وهي عارضة أزياء تُدعىّ "إيرينا" وإستقرت عائلة رابوبورت في منزل فخم بملايين الدولارات في منطقة كالورما الراقية في العاصمة الأمريكية.

•• ويبقى هنا السؤال هل  يبقى في روسيا من يملك القوة  للإطاحة بـ «بوتين»؟

لا يستطيع أي محلل أو مراقب سياسي أوغيرهم أن يجزم على هذا ، إلا أن يلاحظ تشابهاً نافراً بين ممارسة "بوتين" الإستبدادية، وسلوكه السياسي العام وخطابه، وبين بعض الزعماء الإستبداديين الذين أطاحت بهم شعوبهم رغم سيترتهم الإستبدادية على شعوبهم وقمعهم الذي إستمر لعقود فهنا الشعوب هي من تملك القوة بالإطاحة بأي مستبد غلب علية شهوة السلطة وجنون العظمة في تدمير البلاد ولايبالي، ولا يكْتَرَثَ لما يفعلة.

وختاماً: إقترنت طفولة "بوتين" بكثير من القسوة، وهي قسوة مارسها بإفراط بعد وصوله  سدة الحكم، فعلي سبيل المثال فاجأ "بوتين" المراسلين الأجانب في موسكو في مؤتمر في السابق حين أجاب على سؤال وجهه صحافي غربي عن عدم موافقة الحكومة الأوكرانية على إتفاقية مينسك بالقول، سواء أعجبك أم لا، إنه واجبك يا "جميلتي”، ومن الواضح أن "بوتين" كان يلمح في رده إلى مقطع من أغنية “الجميلة النائمة في تابوت” لفرقة البانك روك السوفياتية، والتي تقول“الجميلة النائمة في التابوت"، وتسللت إليها وضاجعتها، سواء أعجبك أم لم يعجبك، نامي يا جميلتي. 

وإذا صدقنا المعلومات التي نقلها  موقع ميديا بارت «Mediapart»الفرنسي التي يشير إلى أن الرئيس الروسي، الذي وصفه بالطاغية القلق الذي يخشاه "جواسيسه”، الذين يعيشون في خوف من الخيانة منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وهو خوف تغذيه بذكاء أجهزة المخابرات الأميركية، على خلفية ما تردد عن تصفيات داخل المؤسسة السياسية، والعسكرية، والأمنية في موسكو، وفق محللين فإن الإخفاق الروسي في تحقيق إنجاز عسكري سريع في أوكرانيا كما كان مخطط له، خلق إنقسامات بين القيادتين السياسية والعسكرية، أدت إلى حملات إعتقالات واسعة لعدد من كبار المسؤولين، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية بعد تحميلهم أسباب الفشل.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -