أخر الاخبار

خذلان غربي لمصر في قضية سد النهضة

خذلان غربي لمصر في أزمة السد.. هل تراهن القاهرة على التيغراي؟

*عماد عنان
تعرضت القاهرة لضربة موجعة، خلال الساعات الأخيرة الماضية، من قبل مجلس الأمن الدولي الذي أعلن أنه ليسه بمقدوره دعم الموقف المصري في أزمة سد النهضة، داعيًا الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) لاستمرار عملية المفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاق مرضي للجميع.

موقف المجلس الذي كان يعول عليه المصريون والسودانيون لحلحلة الأزمة بعد 10 سنوات من المفاوضات الثنائية والثلاثية الفاشلة، لاشك وأن سيربك حسابات المفاوض المصري بصورة كبيرة، خاصة وأنه يأت في وقت حساس للغاية حيث اقتراب الملء الثاني للسد والمقرر له يوليو/تموز الجاري، ويمتد طيلة فترة الفيضانات المستمرة حتى أغسطس/آب المقبل. 

وكانت الخارجية المصرية قد أعلنت الثلاثاء الماضي إرسالها لهذا الملف للأمم المتحدة، وإجراء اتصالات مكثفة مع مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة حول هذا الموضوع، وذلك بعد أقل من أسبوع من طلب سوداني مماثل، ردًا على التعنت الإثيوبي والإصرار على تنفيذ الملء الثاني قبل التوصل إلى اتفاق شامل.

تساؤلات عدة حول دلالات هذا التطور وانعكاساته على الموقف المصري والإثيوبي من تلك الأزمة، الأمر الذي ينعكس بالتبعية على منسوب الخيارات والسيناريوهات المتوقعة، في ظل حالة الزخم الشعبي والإعلامي التي تدفع وبكل قوة نحو الخيار العسكري الذي ترفضه السلطات المصرية في الوقت الراهن.. ليبق السؤال: ما البديل؟

خذلان أممي 
أعلن مندوب فرنسا الأممي، نيكولا دي ريفيير، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لأعمال مجلس الأمن، بكل وضوح، في مؤتمر صحفي له بشأن عقد جلسة حول سد النهضة، أن : "مجلس الأمن لن يكون بإمكانه حل هذا الموضوع" مضيفًا "هذا الملف هو بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعلى هذه الدول الثلاث أن تتحدث فيما بينها وتصل إلى ترتيبات لوجستية بشأن التعاون والمشاركة في حصص المياه".

وحول قدرة المجلس على كسر حالة الجمود في هذا الملف المستمر للعام العاشر على التوالي دون أي تقدم ملحوظ، قال دي ريفيير "بصراحة لا أعتقد أن مجلس الأمن لديه الخبرة اللوجستية لكي يقرر كم حجم المياه التي ينبغي أن تذهب إلى مصر أو السودان، هذا الأمر يخرج عن نطاق مجلس الأمن وقدرته".

وتتوقف قدرة المجلس إزاء مفاوضات السد على "دعوة الدول الثلاث إلى طاولة المجلس للتعبير عن قلقهم، وطبعاً بعض من هذه المخاوف لها مشروعيتها"، حسبما أشار المندوب الفرنسي في تصريحاته التي صدمت الشارع المصري بصورة كبيرة.

ورغم أن المجلس ربما يعقد جلسة خلال الأسبوع الحالي لمناقشة هذا الملف لكن منسوب التفاءل بشأن إمكانية أي حلحلة ممكنة تراجع بصورة كبيرة بعد تلك التصريحات التي كشفت عن الموقف المتخاذل للمنظمة الأممية التي كان تعول عليها دول المصب في عرقلة أي تحركات انفرادية إثيوبية.

وفي أول رد فعل رسمي من أديس أبابا على التحركات المصرية الأممية قالت الخارجية الإثيوبية إن حقها في ملء سد النهضة "يتماشى مع مبادئ الاستخدام العقلاني لمياه النيل وإعلان المبادئ الذي وقع عليه رؤساء إثيوبيا والسودان ومصر في 2015"، وأن أي تحرك مصري سوداني في هذا الشأن يفتقد للشرعية القانونية.

وتزامنًا مع مساعي التدويل، كان المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، قد أجرى جولة مكوكية لبعض دول القارة الإفريقية، بحث خلالها "حل النزاع بشأن سد النهضة الإثيوبي بشكل مقبول لكل الأطراف"، وذلك عقب زياراته مصر والسودان وإثيوبيا.

القاهرة تحذر
تقاعس مجلس الأمن عن دعم الموقف المصري، وغلق الباب بصورة شبه كاملة أمام المصريين بشأن التحجج بعدم القدرة على الإسهام في كسر حالة الجمود في هذا الملف، أحدث ارتباكًا كبيرًا لدى المفاوض القاهري الذي بدأت ردود أفعاله تتخذ مناحي أخرى ردًا على هذا الموقف.

وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبدالعاطي، وخلال مشاركته في المؤتمر الوزاري رفيع المستوى «مشاورات من أجل الوصول إلى نتائج»، الذي نظمته الحكومة الألمانية ممثلة في وزارة البيئة الألمانية، أمس الجمعة 2 يوليو/تموز 2021، وجه عددًا من التحذيرات المباشرة لأوروبا من تبعات استمرار الأزمة.

عبد العاطي استعرض في كلمته مخاطر بناء سد النهضة، لافتًا إلى أن " نقص ١ مليار متر مكعب من المياه سيتسبب في فقدان ٢٠٠ ألف أسرة لمصدر رزقهم الرئيسي في الزراعة، وهو ما يعني تضرر مليون مواطن من أفراد هذه الأسر" مشيرًا إلى أن قطاع الزراعة في مصر يعمل به ٤٠ مليون نسمة على الأقل.

الأضرار تشمل كذلك تبوير 4 ملايين فدان من الأراضي الزراعية، وخسائر في القطاع الزراعي تقدر بنحو 150 مليار جنيه سنوياً، بجانب 1.8 مليار دولار سنوياً للاقتصاد المصري بصفة عامة، وفقدان 1.3 مليون فرصة عمل، وبالتالي زيادة عدد العاطلين عن العمل بنسبة تصل إلى 38% وربما أكثر، وتراجع صادرات مصر الزراعية، حسب التقارير الصادرة عن منظمات محلية ودولية.

وقد ألمح الوزير المصري أن أي نقص الموارد المائية عن طريق السد سيكون لها انعكاسات كارثية على شريحة كبيرة من المصريين العاملين في مجال الزراعة، "حيث سيؤدي فقدان فرص العمل لحالة من عدم الاستقرار المجتمعي، التي ستؤدى لموجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية وغيرها أو انضمام الشباب للجماعات الإرهابية" على حد قوله.

واختتم وزير الري حديثه بمعاناة المصريين بسبب الشح المائي، كون بلاده من أعلى دول العالم جفافًا، إذ يقدر إجمالي الاحتياجات المائية في مصر بحوالي ١١٤ مليار متر مكعب سنويا، فيما لا يتجاوز حجم الموارد المائية ٦٠ مليار متر مكعب، معظمها من النيل، والباقي عن طريق المياه الجوفية غير المتجددة، وعليه يتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية بالوادى والدلتا بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل ٣٤ مليار متر مكعب سنوياً من المياه.

وكانت مصر في رسالتها المرسلة لمجلس الأمن، الأسبوع الماضي، لحثه التدخل لكسر التعنت الإثيوبي ومحاولة التوصل إلى حل مرضي في تلك الأزمة، كانت قد حذرت مما سمته "احتكاكاً دولياً" سيعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، حال استمرار جمود ملف سد "النهضة" الإثيوبي.

الخيارات تتقلص
مع اقتراب الملء الثاني للسد تتقلص الخيارات أمام مصر بصورة مقلقة للملايين من المصريين المتابعين لهذا الملف على مدار الساعات الـ 24 يوميًا، لما يعتبرون إياه أكبر تهديد محتمل من الممكن أن يعرض حياة شعب بأكمله للخطر حال الوصول إلى مرحلة الفقر المائي المدقع والولوج إلى مستنقع التعطيش.

وتتأرجح مصر بين خيارين لا ثالث لهما بحسب أستاذ العلوم السياسية، معتز عبدالفتاح، الأول: الخيار الدبلوماسي والمتمثل في طرق القاهرة أبواب المنظمات الدولية في إشارة لمجلس الأمن، والثاني هو الخيار العسكري المثير للجدل والريبة على حد سواء.

عبد الفتاح يعتبر أن رسالة مصر لمجلس الأمن الدولي تعني "إما أن يتدخل ويقف العالم مع قضية مصر والسودان الآن أو يصمتوا إلى الأبد" مردفاً: "لو قررت مصر والسودان اللجوء للخيار العسكري، فلن يكون المجتمع الدولي محقاً في إدانة أو استنكار هذا الفعل، لأنه طُلب منه التدخل دبلوماسياً"، حسب تصريحاته لشبكة "الحرة" الأمريكية.

الأكاديمي والإعلامي المصري يرى أن هناك 3 استراتيجيات تتبناهم أديس أبابا في التعامل مع هذا الملف، الأولى هي "حافة الهاوية؛ حتى تصل إلى مفاوضات اللحظة الأخيرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع وتجنبا لمواجهة عسكرية مع مصر والسودان"، الثانية هي "المال مقابل المياه؛ حتى يتم النظر إلى المياه كمورد اقتصادي"، استنادًا إلى تصريحات المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتى لقناة "الجزيرة" سابقًا حين قال إن بلاده ستبيع المياه لمن يريد، لكنه تراجع لاحقا قائلا إن تصريحاته فهمت خطأ، وأن بلاده لا تفكر في بيع المياه.

أما الاستراتيجية الثالثة -بحسب عبد الفتاح- فهي الأخطر والأكثر قلقًا، وتتعلق عن "المواجهة العسكرية كوسيلة لدعم وحدة الشعوب الإثيوبية، لمواجهة عدو مشترك خارجي وصناعة البطل الذي يدافع عن المصالح المشتركة والوطنية للشعوب الإثيوبية"، على حد قوله.

وكانت هناك محاولات لطمأنة الشارع المصري بشأن عيوب فنية في جدار السد يحول دون تخزين الكميات المقررة، بما يعني عدم تأثر البلاد بالملء الثاني، كما جاء على لسان أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي قال إن "أحدث الاستنتاجات تظهر أن الإثيوبيين على وشك الانتهاء من صب خرسانة، يبلغ طولها أربعة أمتار بدلاً من 30 متراً، للممر الأوسط للسد، وهذا يعني أن المرحلة الثانية للتخزين ستسع لأقل من أربعة مليارات مكعب من المياه "حتى الآن".

تلك التصريحات قوبلت بالتشكيك من قبل رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية، ياسين أحمد، الذي قال إن "هذه صور ليست دقيقة، ومن يمتلك المعلومة على أرض الواقع هي إثيوبيا التي أكدت أن الملء سيبلغ 13.5 مليار متر مكعب"، في إشارة لصور الأقمار الصناعية التي استند إليها أستاذ الجيولوجيا المصري بجامعة القاهرة.

التيغراي.. هل يكون الحل من الداخل؟
رغم استبعاده كأحد الحلول العاجلة لكسر العنجهية الإثيوبية، إلا أن الأزمة الطاحنة الأن بين حكومة آبي أحمد وجبهة تحرير التيغراي، ربما تكون خيارًا مطروحًا على طاولة النقاش في ظل تخاذل مجلس الأمن، وفقدان الحماسة الدبلوماسية للمجتمع الغربي برمته، أوروبا والولايات المتحدة، والتي تربطهما علاقات قوية جدًا بالدولة الإثيوبية.

تلقى الجيش الإثيوبي هزيمة نكراء الأيام الماضية على أيدي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، حيث أضطر للانسحاب الكامل من الإقليم فيما سقط المئات منه أسرى في أيدي القوات المعارضة، الأمر الذي اعتبره محللون انتكاسة قوية للحكومة، ربما يكون لها صداها في ترتيب قائمة الأولويات خلال المرحلة المقبلة.

القوات الموالية للجبهة التي ظلت تسيطر على الحكم في إثيوبيا قرابة 27 عامًا، نجحت أول أمس في في السيطرة على عاصمة الإقليم، ميكيلي، وذلك بعد سبعة أشهر من انسحابها من المدينة، هذا بجانب الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات التي مني بها الجيش الإثيوبي.

آبي أحمد في أول رد فعل له على ما يحدث في الإقليم الشمالي قال إنه جيش بلاده "تعرض لطعنة في الظهر"، متهمًا المدنيين في تيغراي بالمشاركة في هزيمة جيشه من خلال "الامتناع عن توفير الماء للجنود، وإخفاء أسلحة في أفنية الكنائس، والكذب على موظفي الإغاثة للحصول على حصص إضافية من الطعام لإعطائها لأفراد من الجبهة".

الأرضية السياسية والأمنية والاقتصادية الإثيوبية مهيأة تمامًا لتصاعد فتيل الأزمة بين السلطة والجبهة، وهو ما عزز مخاوف الشارع الإثيوبي من تكرار سيناريو الحرب الأهلية (1974-1990) والتي سقط خلالها قرابة مليون ونصف مواطن، هذا بخلاف تشريد مئات الآلآف من الشعب.

ورغم الدعم الإقليمي والدولي الذي يتلقاه آبي أحمد لوأد هذا التوتر والتصدي للتيغراي، لاسيما من الإمارات، الحاضنة السياسية والأمنية للحكومة الإثيوبية في السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن الأمور تسير باتجاه المزيد من التسخين في ظل محاولات الجبهة المستميتة لاستعادة السلطة مرة أخرى، واصفة وجود آبي أحمد على رأس الحكومة بـ "غير الشرعي" نظرًا لتأجيله الانتخابات العامة في البلاد - التي كان مقررًا لها أغسطس/آب 2020، لأجل غير مسمى.

استثمار حالة التوتر تلك من قبل القاهرة قد يجبر أديس أبابا على إعادة النظر في خارطة توجهاتها الخارجية ومشروعاتها القومية الداخلية، وعليه قد يتم إرجاء إكمال بناء السد لحين تبريد تلك الأجواء، هكذا يرى بعض ممن طالبوا بتحركات استخباراتية مصرية في هذا المسار.

وفي المقابل يستبعد آخرون هذا السيناريو لاسيما مع الدعم الكبير للسلطة الإثيوبية سواء من داخل الاتحاد الإفريقي أو حلفاءها في القارة وخارجها، والذي سيحول دون وصول الأوضاع إلى النقطة صفر، هذا بخلاف توظيف آبي أحمد لسد النهضة لتعزيز شعبيته المتراجعة، كون هذا المشروع "مصباح علاء الدين" السحري الذي ينتشل الشعب الإثيوبي إلى آفاق الرخاء والنمو، ومن ثم لا يمكن التخلي عنه إلا بأوراق أكثر تأثيرًا وقوة.

ورغم استعدادات الحكومة المصرية للتأقلم مع تداعيات الملء الثاني عبر حزمة من الإجراءات والإرشادات، وهو ما زاد من قلق المصريين الذين قرأوا تلك التحركات على أنها "إقرار بالأمر الواقع"، إلا أن الأيام القليلة القادمة ستبقى مفتوحة على كافة السيناريوهات فيما يتعلق بهذا الملف الوجودي بالنسبة للمصريين على وجه التحديد.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -