أخر الاخبار

نوال السعداوي وعيد الام

أميل إلى «التفاؤل» فى عيد الأم .. 
بقلم.. د.نوال السعداوي.

 أميل الى التفاؤل في عيد الأم..
فالأمل يشحن جسمى و عقلى بقوة أربعين حصان، و هى نصف طاقتى الموروثة (بالجينات والميمات) عن جدتى وأمى وأبى، لم أرث «جينة» واحدة عن جدى، لحسن حظى، الذى مات قبل أن أولد، و كان «زير نساء» كما سمعت من جدتى، ينتقل من فراش امرأة إلى غيرها دون غسل، تقول عنه جدتى « كان يدخل و يخرج ولباسه على كتفه »، أصبح هذا الرجل يطبع اسمه (السعداوى) على جميع كتبى و مؤلفاتى دون موافقتى.

إنه الظلم الكونى لى و لأمى، المرأة العظيمة، التى عاشت و ماتت من أجلى دون أن أحمل اسمها، كنت أكتبه فى طفولتى على كراستى فيشطبه المدرس، و يضع اسم جدى بدلا منه، فأمسحه بالأستيكة، ليأتى المدرس فيضربنى بحافة المسطرة على أصابعى، و يشطب اسم أمى و يضع اسم الرجل الغريب. لكنى استطعت أن أفرض إرادتى على العالم، و أرد الجميل لأمى، بعد أن ماتت منذ خمسين عاما، و بعد أن جاوزت الثمانين من عمرى، شطبت اسم جدى من الدفتر الرسمى المزيف، و كتبت الاسم الثلاثى الذى يضمنى مع اسم أمى و أبى كالآتى:
نوال زينب السيد :

لم تجد ابنتى فى العيد هدية تشتريها لأمها من السوق، فالهدايا فى نظرها لا يمكن شراؤها، و فكرت فى هدية لها معنى عميق، فأهدتها إحدى قصائدها، قعتها باسمها و اسم أمها و أبيها، و حذفت اسم الجد الذى مات قبل أن تولد. كانت الهدية شديدة الجمال و البساطة، لم تكلفها مالا أو الذهاب إلى السوق، لكنها كادت تكلفها حياتها، فقد اتهموها بالكفر، ساقوها إلى المحكمة فى قضية حسبة، و ذهبت معها. رأيتها واقفة طويلة القامة شامخة الرأس كالشجرة، ترد على المحققين بصوت واضح قوى، قالت لهم :

من حقى أن أحمل اسم أمى وأبى، وليس من حقكم أن تحذفوا اسم أمى وتفرضوا على اسم رجل غريب عنى؟

وهز القاضى رأسه مقتنعا و أطلق سراحها.

فى عيد الأم تزعق الأبواق و الإذاعات بأغانى الحب المشبوب، يشتد الزعيق باشتداد الزيف و الخداع، يكتب أحد الأدباء عن أمه، يتغنى بتضحياتها و تفانيها فى خدمة الأسرة الكبيرة، هو و إخوته السبعة وأبوه وجده.

تفرغت أمه لخدمة عشرة من الرجال، نجحوا كلهم فى حياتهم و أصبحوا دكاترة و مهندسين، كانت تعمل من الفجر حتى المغرب، لا تطلب شيئا لنفسها، لا يعاونها فى عملها إلا خادمة صغيرة من الريف، ويوجه الأديب الكبير الشكر لأمه فى عيد الأم، أعطاها لقب الأم المثالية، يقول إنها لم تتذمر أبدا، وتحملت نزوات أبيه، لم تعترض حين تزوج امرأة أخرى، كانت مؤمنة صالحة تعرف أن الله منح هذا الحق لزوجها، فكيف تعترض على أمر الله؟

تخيلت هذه الأم المسكينة كيف عاشت و كيف ماتت واندثرت لا يذكر اسمها أحد، تخيلت أيضا الخادمة الطفلة من الريف التى حرمت من أمها و أبيها و إخوتها، لتعيش الحزن و الشقاء و الهوان وسط عائلة غريبة عنها من عشرة رجال، تغسل صحونهم وثيابهم و تدعك مرحاضهم و تأكل فضلاتهم، و تنام على حصيرة أو دكة فى المطبخ، و تأخذ علقة من الأم أو الأب إن كسرت شيئا. كان يمكن لهذه الخادمة الصغيرة أن تصبح أديبة كبيرة مثله، لو أنها تعلمت مثلما تعلم هو، لكن الفقر جعلها تغسل ملابسه و تنظف غرفته، بينما هو يتلقى العلم أو الأدب و الفن، و كانت أمه أيضا تخدم أباه، تغسل جواربه و تطبخ طعامه بينما كان أبوه يتقدم فى العلم أو الأدب أو الفن.

و يقولون إنه الدور الذى خلقت المرأة كى تؤديه، دور (الخا د مة) لزوجها و أسرتها دون أجر، و أجرها عند الله فى الجنة، و بحثت عن أمى فى الجنة فوجدتها وحيدة حزينة كما كانت فى الدنيا، و أبى يمرح سعيدا
 بالحووووووووور يات...
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -