أخر الاخبار

هل الإنسان مسير أو مخير

هل الإنسان مسير ام مخير؟
..........
كثر الجدل حول حرية الإنسان، هل هي مطلقة أم محكومة ومقيدة؟ وتحول هذا الأمر من بحث علمي إلى تأمل فلسفي.. سأل كثيرون هل الإنسان مخير أم مسير في أفعاله وقراراته؟ واحتار الناس في تصنيف الأفعال والقرارات تحت مسمى الحرية والإجبار.

الحقيقة أن الإنسان مسير ومخير في نفس الوقت، مسير في أمور كثيرة ليس له أي سلطان عليها كمقدار رزقه الآتي إليه، وكالأخبار المفاجئة التي تأتي إليه دون سابق إنذار والتي على أساسها يحزن أو يسعد، وكذلك الأمراض التي تصيبه وموعده الذي سيرحل فيه من الحياة وطريقة موته.. كل هذة الأشياء لا دخل للإنسان بها ولا يستطيع التحكم فيها، والدليل على ذلك أننا لم نسمع في يوم من الأيام عن شخص حدد مقدار رزقه قبل أن يأتي إليه، ولا عن شخص قرر التحكم في الأخبار الآتية إليه لكي لا يستقبل منها إلا ما يفرح قلبه، ولم نرى شخصا إختار مكان وزمان موته والطريقة التي يريد أن يموت بها.

أما الأشياء التي يمكننا القول بأن الإنسان مخير فيها فهي تتلخص في المبادئ والقناعات والآراء التي يكونها الإنسان عبر حياته فهذة الأشياء ملك له وحده، كون الإنسان لديه حرية الاختيار في أن يؤمن بالله أو يكفر به فهو مخير، الإنسان مخير أيضاً في اختياراته الشخصية والتي تشتمل على اختياره نوع الطعام الذي يأكله، ونوع الشراب الذي يشربه وخامات وألوان الملابس التي يرتديها، والأماكن التي يذهب إليها، والكلمات التي يريد أن يعبر عنها بلسانه والأعمال والأنشطة التي يقوم بها على الأرض .. كل هذة الأمور تعبر عن حرية الإنسان الكاملة في اتخاذه للقرارات وفي عزمه على الأفعال.

ويمكننا القول والاعتراف بأن هناك أمور أخرى تجعل الإنسان مخير ومسير في نفس الوقت، كاختياراته وقراراته المصيرية التي يتخذها دون تفكير عميق ولا يأخذ فيها وقت طويل للتفكير، ويكتشف في النهاية أنه اختار لنفسه الاختيار الأفضل وقرر لنفسه القرار الصحيح، عندها يستنتج أن الله هو الذي استخدمه ليختار تلك الاختيارات ويقرر تلك القرارات، والزواج مثال قوي على ذلك لأنه يعبر عن حريتنا الكاملة في اختيار شريك الحياة وفي نفس الوقت نجد شعور ما بداخلنا يدفعنا لاختياره، هناك أشخاص يختاروا شركاء حياتهم وبعد مرور سنوات يكتشفون أنهم لم يأخذوا الوقت الكافي لهذا الاختيار ويقولون في قرارة أنفسهم: لا نعلم ما الذي جعلنا نختار ونقرر، ولا نعرف لماذا اخترنا هذا الشخص ولماذا أقدمنا على قرار الزواج.. هذه الحالات تفسر تدخل الله في حياة الإنسان ليدفعه لاتخاذ قرار معين مثل الزواج وهذا ما يسمى بالقسمة والنصيب، وكثير من الناس يفهمون مصطلح القسمة والنصيب على أنهما يعبران عن إجبار من الله للبشر وهذا خطأ لأنهما يعبران عن تدخل الله لدفع الإنسان لاتخاذ قرار مصيري يكون في صالحه لا محالة والإنسان يكتشف هذا في نهاية الأمر، والدليل على ذلك أننا لا نختار والدينا أو عائلاتنا لأن الله هو الذي تدخل ليقربهم من بعضهما البعض لنأتي نحن إلى هذه الحياة.

خلاصة الحديث، يمكننا الإقرار بأن الإنسان حر ومخير في أمور كثيرة متعلقة بحياته الشخصية، وهناك قرارات أخرى في حياة الإنسان يتخذها بحريته لكن الله سيحاسبه على نتيجتها في نهاية الأمر، أما القرارات المصيرية في حياة الإنسان فيختارها الله له من خلال تسهيل الظروف أمامه ليستطيع هو اتخاذ القرار الأمثل ليحيا حياة أفضل، فيختار الله مصيره لكن بناء على رغبته الخاصة.. لقد خلقنا أحرار لكن حدود حريتنا لن تخرج عن سلطان الله إذا فحريتنا محكومة بإطار معين وليست مطلقة كحرية الله. 

هل الإنسان مسير ام مخير؟؟؟؟
تفسير ابن الباز
..........
الإنسان مسير وميسر ومخير، فهو مسير وميسر بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء ، وسبق علمه بكل شيء، كما قال : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد: 22]، وقال عز وجل في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن: 11].
فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خلق له، كما قال سبحانه: هو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22] وقال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5 - 10] وقال النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن أصول الإيمان الستة: الإيمان بالقدر خيره وشره، فالإنسان ميسر ومسير من هذه الحيثية لما خلق له على ما مضى من قدر الله، لا يخرج عن قدر الله، كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22]، وهو مخير أيضا من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة، فكل إنسان له عقل إلا أن يسلب كالمجانين، ولكن الأصل هو العقل، فمن كان عنده العقل فهو مخير يستطيع أن يعمل الخير والشر، قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير: 28 - 29] وقال جل وعلا: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال: 67].
فللعباد إرادة، ولهم مشيئة، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [النور: 53] وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30] وقال تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل: 88] فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله، وقال عز وجل: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر: 55 - 56] وقال سبحانه: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۝ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28 - 29].
فكل إنسان له مشيئة، وله إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار ولهذا كلف، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله، مأمور بفعل الواجبات، وترك المحرمات، مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم، فهو مأمور بهذه الأشياء، وله قدرة، وله اختيار، وله إرادة فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال، هو الآكل، وهو الشارب.
فهو مسئول عن جميع هذه الأشياء؛ لأن له اختيارا وله مشيئة، فهو مخير من هذه الحيثية؛ لأن الله أعطاه عقلا وإرادة ومشيئة وفعلا، فهو ميسر ومخير، مسير من جهة ما مضى من قدر الله، فعليه أن يراعي القدر فيقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156] إذا أصابه شيء مما يكره، ويقول: قدر الله وما شاء فعل، يتعزى بقدر الله، وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله، وبترك ما حرم الله، بأداء الأمانة، وبأداء الحقوق، وبالنصح لكل مسلم، فهو ميسر من جهة قدر الله، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار.
وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار فقال بعض الصحابة  ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5 - 10] والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق[1].
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -