ومازال الحديث موصولا عن الجهاد فى سبيل الله وعن غزوات النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الله عز وجل جعل من أسباب الإذن بالقتال عند المسلمين مع كل ما وجَّهه الطاعنون من سهام حماية حرية العبادة في الأرض للمسلمين وغيرهم، نجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى فى سورة الحج (اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز) فالإذن بالقتال شُرع لدفع الباطل، ولولا هذا الدفع لهُدمت دور العبادة، بما فيها الصوامع والبيع التي يتعبد فيها غير المسلمين يقينا، ولقد كانت منطقة بدر الواقعة مسرحا لعدة غزوات أولها غزوة بدر الأولى، وقد يعتقد البعض أن بدر لم يقع فيها إلا غزوة بدر الكبرى.
التي وقعت في رمضان من العام الثاني للهجرة، وهذا الاعتقاد غير صحيح، وذلك لأن أهل السير والآثار قد أوردوا ثلاث غزوات وقعن في تلك المنطقة، وهن غزوة بدر الأولى، وغزوة بدر الكبرى، وغزوة بدر الآخرة أو الصغرى، وقد وقعت غزوة بدر الأولى، في ربيع الأول من العام الثاني للهجرة، وقد وقعت في منطقة وادي سفوان الواقعة بالقرب من بدر، لذلك سميت الغزوة بغزوة سفوان، واشتهرت باسم بدر الأولى، ولقد كان بعد هجرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال، من أجل الدفاع عن الدين والدولة، وإلا فلو لم يقاتل المسلمون من أجل حماية عقيدتهم ودولتهم لانتهت الدعوة الإسلامية في سنواتها الأولى، وهذا تنفيذا للأمر الإلهي بالقتال والجهاد فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد قام ببعض الغزوات التي هدفت إلى الدفاع عن المدينة المنورة واسترداد حقوق المسلمين المنهوبة من قبل قريش.
التي مثلت أكبر أعداء المسلمين في تلك الفترة، قد وقعت عدة غزوات قبل غزوة بدر الأولى، كغزوة الأبواء وغزوة بواط وغزوة ذي العشيرة وجميعها في العام الثاني من الهجرة النبوية، وقد وقعت في هذا العام أيضا غزوة بدر الأولى أو سفوان، وكان بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة ذي العشيرة لم يمكث إلا أياما قليلة لم تتجاوز العشرة أيام، وبعدها أغار كرز بن جابر الفهري، وكان ذلك قبل أن يسلم على بعض مراعي المدينة، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم استخلف زيد بن حارثة رضي الله عنه على المدينة، وخرج صلى الله عليه وسلم، في طلب كرز بن جابر الفهري، لكنه لم يدركه حيث استطاع كرز العودة إلى مكة، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، وقد كان ذلك قبل إسلام كرز، حيث أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من المشاهد واستشهد في فتح مكة.
فرضي الله عنه وأرضاه، ولقد مثلت غزوة بدر الأولى صورة من صور رد المسلمين اعتداء قريش، ذلك أن كثيرا من الغزوات والسرايا التي وقعت من بداية الهجرة إلى المدينة إلى عام الفتح، كانت بمثابة رد لعدوان قريش ومحاولتها استئصال شأفة المسلمين والقضاء عليهم، وقد قال ابن إسحاق أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في طلبه، حتى بلغ واديا يقال له سفوان ففاته كرز، وكانت هذه غزوة بدر الأولى، ثم أسلم كرز وحسن إسلامه، وولاه رسول الله الجيش الذين بعثهم في أثر العرنيين الذين قتلوا راعيه في سرية كرز بن جابر الفهري، وقد استشهد كرز يوم فتح مكة وذلك سنة ثمان من الهجرة، وغزوة بدر الأولى هي إحدى أعظم غزوات المسلمين، وتسمى هذه الغزوة بغزوة سفوان، وكانت هذه الغزوة حين عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن معه من المسلمين من غزوة العشيرة، فأقام في المدينة ليال معدودات، ثم خرج ومعه جيش من المسلمين يقصد رجلا أغار على ماشية المدينة المنورة في مراعيها، واسمه كرز بن جابر الفهري، حيث أغار كرز هذا على رزق أهل المدينة المنورة من الأغنام والإبل وغير ذلك، فخرج رسول الله يطلبه حتى وصل ومن معه من المسلمين إلى وادى سفوان القريب من منطقة بدر، لذلك سميت هذه الغزوة غزوة سفوان أو غزوة بدر الأولى، وكانت غزوة بدر الأولى بعد غزوة العشيرة مباشرة، وغزوة العشيرة هذه هي إحدى الغزوات التي كانت بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت في أواخر شهر جمادى الأولى، في السنة الثانية للهجرة، وهي من الغزوات التي حدثت قبل غزوة بدر الكبرى، وقد بدأت غزوة العشيرة عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار للخروج إلى الطريق الذي تمر منه قوافل قريش القادمة من الشام لاعتراضها.
وخرج من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة مائة وخمسين فارسا من خيرة الصحابة الكرام، وترك رسول الله المدينة المنورة تحت حكم أبي سلمة بن عبد الله المخزومي رضي الله عنه وخرج مع الصحابة لاعتراض قافلة قريش بقيادة أبي سفيان، فاجتمع جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان يسمى ذات العشيرة، وقيل ذي العشيرة وفي ذلك الموقع علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أبا سفيان أصبح على دراية تامة بجيش المسلمين فغير اتجاه قافلته، ونجا ومن معه، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام إلى المدينة المنورة، وحين عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة العشيرة، إلى المدينة المنورة ععلم أن رجلا يدعى كرز بن جابر الفهرى، أغار ومن معه من الرجال على الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة والتي تتبع للمسلمين في المدينة، فكان هذا السبب في غزوة بدر الأولى أو غزوة سفوان.
ولقد كان الهدف من غزوة بدر الأولى هو قتل كرز بن جابر الفهري، الذي أغار على ماشية المدينة التي كانت ترعى بالغداة، وكرز هذا هو كرز بن جابر الفهري وهو صحابي جليل وقد أسلم وكان قبل إسلامه قد أغار على سرح المدينة المنورة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه ومعه جيش من المسلمين، وكان هذا هو الهدف من غزوة بدر الألى أو غزوة سفوان، وكانت هذه الغزوة الثانية على التوالي التي يخرج فيها جيش المسلمين ويعود إلى المدينة بغير قتال، ثم بعد عودته إلى المدينة مع الصحابة الكرام، أقام في المدينة شهر جمادى ورجب وشعبان دون غزو، وهذه الغزوة كانت من الغزوات التي لم يحدث فيها أي قتال أو صدام حقيقى بين جيش المسلمين وجيش المشركين، ولكن النظر إلى أحداث هذه الغزوة تبيّن أن أهم نتائج هذه الغزوة هو وضع حد أمام كل من ينوي أن يمس مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويتعرض لرزق أهلها بسوء، فقد أظهرت هذه الغزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بمظهر القوي الشديد الذي لا يقبل بالذل والهوان ووضعت حدا أمام كل المتربصين بالمدينة المنورة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان له أن يترك أحدا يغير على المدينة دون أن يقوم بمطاردته وإعلامه أنه ليس بمأمن من قوة المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أراد إرسال رسالة قوية إلى جميع القبائل العربية بما فيها قريش، وكذلك أراد أن يعلم الأعراب أن المسلمين قوة لا يستهان بها، وأن المدينة المنورة لا يمكن أن تكون مسرحا لأعمال السلب والنهب والإغارة، وإذا أرادت إحدى القبائل أن تغير على المدينة فلتعلم أن الجيش الإسلامي سيقف لها بالمرصاد وسيدافع عن مقدراته بكل ما أوتي من قوة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب أروع النماذج التي تكفل بناء دولة قوية.