أخر الاخبار

حسام ابو العلا موعد مع الفراق

موعد للفراق
.......
قصة قصيرة
للكاتب الصحفي / حسام أبو العلا
موعد للفراق
أمعنت النظر في شاشة هاتفي، فركت عيني بقوة، هل هذا اتصال 
منها أم جاء بالخطأ؟
هرولت أصابعي إلى الهاتف، كانت هي لكن ليست بصوتها الناعم 
ً وال إحساسها المتدفق شوقا، وال بأنفاسها الملتهبة بحرارة الحب، 
باغتت قلبي الحزين الذي تعود علي غيابها بمفاجأة ينتظرها منذ 
ً أن رحلت إلى إحدى المدن الساحلية، طالبت برؤيتي غدا في نفس 
المكان الذي كنا نلتقي فيه قبل موعد زيارة لصديقتها المريضة.
ً أبت عيناي أن تغمضا انتظارا للخيوط األولى من الصباح، وكان 
َ ْدلة« جديدة أحتفظ بها منذ مدة ألرتديها في 
َ بجواري على سريري »ب
أول مناسبة سعيدة، تعطرت قبل الخروج من منزلي وتأكدت من أناقة 
هندامي، وذهبت قبل الموعد بساعة أحملق في وجه كل امرأة.
هل تغيرت مالمحها؟ سبعة أعوام منذ فراقنا لم أرها، مرات قليلة كانت 
ً تطمئنني على أحوالها، وأحيانا كان يفصل بين الرسالتين أكثر من عام.
ً لم أنسها وظل حبها قابعا في زاويا قلبي، وفشلت محاوالت غيرها 
في احتالل مكانها، وغضب أبي وأمي وأشقائي لرفضي الزواج.
لمحت طيفها من بعيد وهي تتهادى مثل الفراشة، نبض قلبي ونطق 
لساني: نعم هي، صارت أجمل رغم رحيل زوجها وهي شابة لم 
ًا«.
تتجاوز 35 عام
اخترقت قلبي بسهم ابتسامتها الرقيقة، خلعت نظارة الشمس 
ً ً ا على األخرى وطلبت فنجانا من القهوة، 
السوداء وجلست تضع قدم
وحاولت تبرير غيابها وانقطاع التواصل بظروفها القاسية ومعاناتها 
بتحمل مسؤولية تربية طفلين بعد وفاة زوجها، واألطماع التي تحاصرها 
ممن حولها وضغوط أهلها للزواج مرة أخرى.
نظرت إلى أصابعي، ثم سألتني: »لماذا لم تتزوج؟«، كان صمتي 
ً ً ا للرد على سؤالها الذي أصابني بما يشبه الخرس، ثأرت سريعا 
كافي
ً لنفسي من برودة مشاعرها رغم أنني كنت أحترق شوقا لرؤيتها، 
وسألتها: »لماذا طلبت رؤيتي بعد كل هذه السنوات؟«.
انتظرت إجابة تخيب ظنوني، لكن جاءت كلماتها بمثابة طعنة نافذة 
لمشاعري، قالت: »ال أطمئن لغيرك، ووجدت زيارتي اليوم لصديقتي 
فرصة ألنفض بين يديك همومي التي أثقلت كاهلي«.
كانت تشرد وتنظر إلى ساعة يدها وإلى هاتفها كأنها في انتظار 
اتصال في موعد ما، وعندما الحظت استيائي لعدم تركيزها في كالمي، 
قالت: »أمامي ساعتان، ثم قصت خاللهما تفاصيل مؤلمة عن حياتها 
ٍ مع زوج قاس، وأن موته أنقذها من االنتحار لسوء معاملته لها«.
وبعد حديث أنهكني وعمق جراحي، لم تتذكر خالله أي ذكرى 
ً ا لحبنا الكبير الذي كان يحسدنا 
ِ تقدير
ً جميلة أو موقفا جمعنا، أو تبد
عليه كل من يعرفنا، قبل أن تقبل العريس الثري لتبدأ حياة جديدة 
في مدينة أخرى، طيبت خاطرها وكفكفت دموعها وبعد أن كنت 
أتمنى أن تطول الساعات انتظرت أن تطلب الرحيل، ليست هي من 
أحببتها  ويبدو أن البعد غير مشاعرها من حب إلى جفاء.
انتهت الساعتان وأصررت على توصيلها لكنها رفضت بشدة، 
حاولت إقناعها بزحام الطريق وبقدرتي على تفادي هذه االختناقات 
لتصل في موعدها، لكنها جددت رفضها.
أثار موقفها شكوكي وتركتها تستقل »تاكسي« وتتبعته، زادت حيرتي 
عندما وجدته يسير في اتجاه بعيد عن المستشفى الذي حدثتني عنه، ثم 
توقف في أحد الميادين.
غادرت التاكسي وأخرجت هاتفها وبعد دقائق من اتصالها جاءت 
سيارة ترجل منها شاب يافع قبلها واحتضنها، ثم استقلت معه السيارة 
واختفيا وسط الزحام، رفضت تتبعها وقررت تمزيق صفحتها من كتاب 
أيامي، وإسدال الستار على هذه المسرحية الهزلية من حياتي، وبعد أن 
ً ا على 
تمالكت أعصابي أمسكت بهاتفي وكتبت لها في رسالة: »شكر
الزيارة الجميلة«.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -