أخر الاخبار

ازمة قانون التصالح والحلول العاجلة

أزمة التصالح في مخالفات البناء.. المشكلة والحلول 
عندما تظلم الحكومة ويطاوعها البرلمان فيعاني المواطن
•••••••••••••••••••

بعد عشرات السنوات من التراخي واللامبالاة وما صاحبهما من أشكال عديدة من الفساد (المالي أحيانًا والإداري غالبًا) تفاقمت ظاهرة البناء بدون ترخيص بطول البلاد وعرضها، وبصور عديدة، وإن زادت وتيرتها بشدة عقب ثورة ٢٥ يناير.

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة للسيطرة على تلك الظاهرة، جاء قانون التصالح في مخالفات البناء في نسخته الأولى التي تعامل معها المخاطبون به بتجاهل شبه كامل، وبعد انقضائه بمرور ٦ أشهر جاءت الحكومة بتعديلات أقرها البرلمان ليصدر النسخة الحالية من القانون الذي استخدمت السلطة عددًا من الإجراءات للضغط على المواطنين ودفعهم للقبول به.. إلا أن هذه الإجراءات قد جاء بعضها مخالفًا للقواعد الدستورية، ونصوص القوانين السارية، وأحكام القضاء الإداري، وحتى لقرار رئيس الوزراء نفسه. وهو الأمر الذي يتكرر للأسف في ملفات وقضايا عديدة وبما يقوض دولة القانون والمؤسسات.

ولما كان منتظرًا أن يناقش البرلمان هذا الموضوع يوم الخميس القادم بلجنة الإدارة المحلية، فإنني أعود لأضع مجددًا أمام السادة النواب ملخص رؤيتي للتعامل مع تلك الأزمة المعقدة والخطيرة أيضًا، على أمل أن نجد منهم آذانًا صاغية وعقولًا منفتحة مستعدة لقبول الحق والانحياز لصالح الوطن والمواطنين، لا الاحتماء بغلبة الأغلبية المصطنعة إلى آخر يوم من عمر المجلس الحالي الذي وصفت آداءه ذات يوم في كلمة أمام الجلسة العامة بأنه ربما يكون "الأسوأ في تاريخ الحياة النيابية".

وإذا كنا جادين في البحث عن حلول حقيقية -لا ترقيعية- فإنها في رأيي على ثلاث مستويات:

١- الحل الجذري: ويستلزم تعديلات جوهرية في قانون التصالح في مخالفات البناء لتصحح هدفه من الجباية إلى التقنين. ويكفي هنا أن يعود الزملاء النواب إلى مضابط المجلس أثناء مناقشة القانون في المرتين ليكتشفوا أن ما حذرناهم منه أول مرة قد تحقق خلال النسخة الأولى التي لم يتصالح في ظلها سوى أكثر قليلًا من مائة حالة من ملايين المخالفات، وأن ما حذرناهم منه عند مناقشة النسخة الثانية سوف يتكرر حتى مع ضغط السلطة، وأن الحلول المنطقية والموضوعية أجدى وأفيد لكل الأطراف.

وعلى كل حال فإن التعديلات التي طالبت بها على مواد القانون، ثم إعادة المداولة التي حاولت من خلالها استدراك رفض نواب الأغلبية لمعظمها قبل التصويت النهائي منشورتان وأتمنى العودة إليهما ومراجعتهما من قبل نواب الأغلبية الذين يتبرأون الآن من القانون وهم الذين مرروه رغم كل المناشدات التي قدمتها، وغيري من نواب المعارضة، في إطار البحث عن الحلول العملية التي غالبًا ما أجهضها تعنت الأغلبية في هذه القضية وغيرها.

٢- الحل الوسط: تعديل اللائحة التنفيذية للقانون بشكل واسع بعدما أصدرها مجلس الوزراء لتضيف إلى السيئ أصلًا مساوئ جديدة، وهو الأمر الذي يعبر عن انفصال الحكومة عن الواقع الذي يعيشه المواطن وعدم احترامها لنبض الشارع.
ومن صور التشدد والتزيد التي جاءت في اللائحة الـ ٢٥٪؜ جدية التصالح والتي كانت تحتسب في البداية كرقم مقطوع بعدها تم تصحيح الخطأ لتحتسب كنسبة مئوية لكنها ظلت تترجم لمبالغ كبيرة جدًا بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للغالبية الساحقة من المصريين الذين زادت معاناتهم بعد وباء كورونا بما خلفه من تداعيات اقتصادية أسوأها زيادة البطالة وتفاقم الكساد والخسائر الكبيرة في معظم القطاعات، والمعاناة الشديدة لأصحاب الأعمال خاصة الصغيرة والمتوسطة، وكذا الموجة الأخيرة لزيادة الأسعار المرتبطة برفع الدعم.

٣- الحل الجزئي: إجراء تخفيضات كبيرة في أسعار المخالفات التي أقرتها لجان التسعير المشكلة بقرارات من المحافظين، والتي احتوت على العديد من المغالطات الفجة والتناقضات الفاضحة، كما جاءت في مجملها بأكثر مما يستطيع تحمله الغالبية العظمى من المخاطبين بالقانون. والحل في رأيي هو الأخذ بنظام احتساب الغرامات الذي طالبت به عند عرض القانون والذي يخفض القيمة بشكل كبير جدًا عن المعدلات الحالية، مع الأخذ بمعيار مركب لا يعتمد على النطاق الجغرافي كمعيار وحيد وإنما يأخذ في الحسبان اعتبارات أخرى عديدة، إضافة إلى التمييز بين أنواع المخالفات وتواريخها على النحو الذي شرحته تفصيلًا أثناء مناقشة القانون.

وبصفة عامة فإنني أكرر ما قلته في حينه أن هذا القانون لا يمكن أن نحقق من خلاله العدل المطلق ولا حتى النسبي وأن غاية ما يمكن الوصول إليه هو أكثر أشكال الظلم عدالة، وهو ما لن يتحقق بالمغالاة في الضغط على الطرف الأضعف في سلسلة طويلة تقع المسئولية الأكبر فيها على السلطة في عهود مختلفة، فهي من تقاعست عن مواجهة المشكلة منذ البداية وعلى مدار عقود من الزمن، مثلما أنها المسئولة عن المساوئ الكبرى في قانون البناء الموحد، والتي استمر الكثير منها في القانون الجديد الذي أقره البرلمان منذ عدة أشهر، وقد قلت عند طرحه على المجلس بأن هناك وجاهة في رأي من كانوا يصفونه بـ "قانون منع البناء الموحد".
 
أيضًا فإن السلطة هي المسئولة عن التأخر لسنوات طويلة أحيانًا في الإفراج عن الأحوزة العمرانية والمخططات التفصيلية للمدن والقرى وتوابعهما، وكذا عدم الانتهاء لسنوات أطول من تقنين حالات وضع اليد على أملاك الدولة بما يبسط سيادة القانون ويراعي في الوقت ذاته الفروق الكبيرة بين تلك الحالات التي يعيش على بعضها الجيل الثالث والرابع في منازل بنيت على أراض تملكها جهات الولاية المتعددة على أراضي الدولة ولكل منها قانون ونظام خاص بها يقوم على تنفيذهما مسئولين منهم اجتهد في الحل وكثيرون من استسهلوا ترحيل المشكلات وتأجيل المواجهة لمن يأتي بعدهم، وهو الأمر الذي تفاقمت وتعقدت معه أمور كان التعامل معها أيسر والنتائج أفضل إذا ما تم الحل في بداياتها.

وفي كل الأحوال، وبينما يجب أن يلتزم المواطنون بالقانون ويعاقب من لا يفعل، فإن الأوجب أن تُلزم السلطة به كل فروعها قبلهم، وأن تتوقف عن أي إجراء وأن تُوقف كل قرار ليس له سند من الدستور وأصل في القانون، كما أطالبها أن تلغي فورًا قرار وزير التنمية المحلية الجائر بإيقاف أعمال البناء المرخص والذي لم يظلم فقط المواطن الذي يريد أن يبني تحت مظلة القانون، وإنما أيضًا قطع أرزاق ملايين الأسر التي يعمل من يعولها بشكل مباشر في هذا القطاع، كما أضر كثيرًا من يعتمد عليه بشكل غير مباشر في ظل أوضاع اقتصادية سيئة سلفًا، ولا يبدو أنها ستتحسن قريبًا إذا ما استمر الآداء على ما هو عليه.

هذا القرار الذي اتخذه منفردًا ومفاجئًا وزير التنمية المحلية يكشف بجلاء أحد وجوه مساوئ انفراد السلطة التنفيذية بمقاليد الحكم في ظل غياب إرادة الأغلبية بالسلطة التشريعية في المراقبة والمحاسبة بل والأدهى هو أن هذه الأغلبية قد عطلت صدور قانون الإدارة المحلية وقد انتهت منه اللجنة النوعية المختصة منذ سنوات وبعد أن أدرج في جدول أعمال الجلسة العامة (وهو استحقاق دستوري يضاف لغيره من الاستحقاقات التي أهملها أو خالفها البرلمان) وذلك لأسباب تخص أشخاصهم وعلى حساب المصلحة الوطنية التي كانت تستلزم الآن وجود مجالس شعبية محلية منتخبة لأسباب يصعب حصرها ويبرز من بينها الرقابة على أعمال الإدارات المحلية وضبط سلوكها عند تطبيق التصالح في مخالفات البناء على معيار القانون، وتصحيح بوصلتها بما يراعي حقوق وظروف المواطنين المنهكين من آثار ما تسميه الحكومة زورًا "الإصلاح الاقتصادي".

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -