أخر الاخبار

ترامب وبوتين: صفقة سلام أم خيانة تاريخية لأوكرانيا؟

المدار نيوز : 
بقلم : نبيل أبوالياسين 

في غرف مغلقة بين موسكو وواشنطن، تُحاك صفقةٌ قد تُعيد رسم خريطة أوروبا الشرقية… دون أن يُسمع صوت أوكرانيا!، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يُوصف بـ"صانع الصفقات"، يدفع باتجاه اتفاق سلام مع فلاديمير بوتين يُلبي شروط "الكرملين" والاعتراف بضم القرم، "نزع سلاح أوكرانيا"، وإسقاط الضمانات الأمنية، ولكن السؤال الذي يُطارد الضمير العالمي: هل هذه الصفقة "سلام" أم  خيانة مُعلنة لدولة تُدفع ثمن صراع القوى العظمى؟.  

 ترامب وبوتين: تحالف الظلال

وفقاً لتسريبات "صحيفة واشنطن بوست"، فإن مقترحات ترامب لإنهاء الحرب تتطابق مع شروط بوتين بنسبة 90%، خاصةً في ما يتعلق بضم الأراضي المحتلة، ففي اجتماع سري مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، طالب بوتين بـ: اعتراف أمريكي رسمي بـ"سيادة روسيا على القرم"، وإلغاء العقوبات الغربية مقابل وقف إطلاق النار، ومنع وجود قوات دولية في أوكرانيا، وفقاً لـ "تقرير CNN"، ولكن ترامب، الذي يهاجم زيلينسكي علناً واصفاً إياه بـ"قائد بلا أوراق"، كما نقلت "رويترز"، يُغض الطرف عن انتهاكات روسيا، مما يدفع محللين للقول إنه "يبيع أوكرانيا لتحسين علاقته بموسكو".  

 أوكرانيا بلا أسلحة.. بوتين بلا قيود

الشرط الأكثر إثارة للجدل هو "نزع سلاح أوكرانيا"، وهو ما كشفه المحلل الروسي أندريه سولداتوف لـ "قناة الجزيرة"،  
وبوتين يريد أوكرانيا ضعيفة كي لا تنضم للناتو… وترامب يوافق لأن مصلحته الانتخابية تقتضي إظهار نفسه كبطل للسلام، ولكن هذا الشرط يُعرّض أوكرانيا لخطر غزو مستقبلي، خاصةً مع رفض بوتين أي "ضمانات أمنية"، وهو ما وصفه الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشنكو لـ "بي بي سي" بأنه: مخطط روسي لتحويل أوكرانيا إلى دولة تابعة… وترامب شريك فيه.  

البيت الأبيض: ضغطٌ أمريكي لـ"استسلام مُقنَّع؟

البيت الأبيض، الذي يُعبّر عن "خيبة أمل" من زيلينسكي، يمارس ضغوطاً غير مسبوقة على كييف لقبول الصفقة، فبحسب "وثائق مسربة نشرتها ديلي تلغراف"،  
هدد ترامب بقطع المساعدات العسكرية البالغة 60 مليار دولار إذا رفضت أوكرانيا الاعتراف بضم القرم، وطالب أوكرانيا بمنح الشركات الأمريكية حقوق التنقيب عن "الليثيوم" في المناطق الحدودية مع روسيا، وهذه الضغوط تتعارض مع تصريحات ترامب العلنية عن "حياده"، مما دفع النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز إلى اتهامه بـ"خيانة القيم الأمريكية" في جلسة للكونغرس.  

 الصمت الأمريكي المُريب: أوكرانيا وفلسطين… معايير مزدوجة

في مفارقة صارخة، بينما يُسرع ترامب لـ"صنع السلام" في أوكرانيا، يتجاهل النداءات الدولية لوقف الحرب في فلسطين، ووفقاً لتقارير "هيومن رايتس ووتش"،  
وافقت إدارة ترامب على صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار أثناء الهجوم على غزة 2021، وعرقلت الولايات المتحدة 50 قراراً أممياً، يدين انتهاكات إسرائيل منذ 2016، وهذا التناقض يُظهر أن "سلام" ترامب انتقائي في أوكرانيا: يدفع لـ"سلام" يُكرّس الهيمنة الروسية،  وفي فلسطين: يُموّل الحرب ويُشرعن التطهير العرقي.  

ميم "اللوتس الأبيض".. هجوم ساخر على ترامب بعد مناشدة غريبة لبوتين!

في مشهدٍ يخلط بين السخرية المُرّة والواقع المُزري، هاجم النائب الديمقراطي "جاريد موسكوفيتز" ترامب بميم من مسلسل"The White Lotus"، مُحاكيًا لهجة الممثلة "باركر بوسي" الساخرة، مع تعليق: فلاديمير، لاوو!، ردًا على منشور ترامب الغريب الذي ناشد فيه بوتين إيقاف قصف كييف، وكأنه يخاطب صديقًا في مكالمة هاتفية!، واللافت أن ترامب، الذي لم يُحرك ساكنًا لوقف المجازر الإسرائيلية في غزة، يبدو فجأةً "قلقًا" على أوكرانيا، بينما تُكشف وثائق عن صفقاته السرية مع بوتين لنزع سلاحها، والسؤال: هل هذه المناشدة "خدعة إعلامية" لتحسين صورته أم محاولة يائسة لإنقاذ صفقة "السلام" التي تُكرّس الهيمنة الروسية؟، وفق The Hill.  

 مستقبل المفاوضات: انهيار التحالفات .. أم انتصار الدبلوماسية؟

انسحاب وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا من مفاوضات لندن كما ذكرت "نيويورك تايمز"، وهذا يُشير إلى شرخ غربي عميق، فالدول الأوروبية، التي تُدرك أن الصفقة تُهدد أمنها القومي، بدأت تتجه لـ "تحالفات دفاعية مستقلة عن الناتو"، وفقاً لتصريحات المستشار الألماني أولاف شولتز،   
ولكن ترامب، الذي وصف الناتو بأنه "عفا عليه الزمن"، يعتبر هذا الانقسام فرصةً لتعزيز تحالفه مع بوتين، حتى لو كان الثمن هو "تدمير أوكرانيا".  

 
وختامًا: السلام الذي يريده ترامب ليس سوى "غلاف فاخر لاستسلام تاريخي" استسلامٌ يُحوّل أوكرانيا إلى ساحة لصراع النفوذ الروسي-الأمريكي، ويُرسل رسالةً للعالم بأن الدماء الأوكرانية أرخص من أن تُذكَر في قمم القوى العظمى، وأما السؤال الأصعب: هل ستكون هذه الصفقة "نهاية أوكرانيا" أم بداية انهيار النظام العالمي الذي نعرفه؟، والرسالة واضحة: السلام الذي يريده ترامب ليس سوى أداة لترسيخ الهيمنة الأمريكية وحلفائها، حيث تُقاس شرعية الصراعات بمدى توافقها مع أجندته، لا بعدالتها الإنسانية.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -