أخر الاخبار

المصريون بين حد الكفاية وحد الكفاف

المصريون بين "الكفاية" و "حد الكفاف"
تتبع الدولة المصرية سياسة "الغموض الاستراتيجي" في مسألة الفقر، كما لو كان الفقر قضية نووية، حتى وإن كانت غير معنية بها. وقد توقف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تحديث بيانات خريطة الفقر في مصر منذ عام جائحة كورونا حتى الآن، وهي فترة شهدت أحداثا جساما على الصعيد الاقتصادي، أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية، وانخفاض قيمة الناتج المحلي، مقومة بالدولار، ووصل تأثير ذلك على السوق بأن أسعار سلع الاستهلاك الأساسية اليومية مثل الخضروات والبيض كانت تتابع حركة سعر الدولار الذي كان في حالة صعود متواصل! وارتفع  المعدل السنوي للتضخم في العام الماضي إلى 35.7% حسب صندوق النقد الدولي، الذي يشرف على السياسة الاقتصادية. ويتوقع الصندوق أن ينخفض التضخم في العام الحالي إلى 27.5% على أن يواصل الانخفاض في حال التزمت الحكومة بسياسة الصندوق، ليبلغ 5.1% في عام 2029. 

هذا المعدل المتوقع بعد 5 سنوات في حال صدقت الحكومة وصدق الصندوق يظل أعلى من متوسط التضخم في عام 2021، الذي كان قد انخفض إلى 4.5%. ذلك الانخفاض كانت قد تمت "هندسته" بعناية، أو بمعنى آخر طبخه، في نهاية قرض ال 12 مليار دولار الذي وافق عليه الصندوق لمصر في نوفمبر عام 2016 بهدف إثبات كفاءة القرض وأنه حقق أهدافه. لكن هذا الانخفاض المصطنع في معدل التضخم لم يلبث أن انكشف في السنوات التالية ليرتفع مباشرة إلى 13.2% في عام 2022 ثم إلى 35.7% في عام 2023. ويبدو أننا نشهد الآن تكرارا سخيفا لعملية "هندسة تخفيض التضخم". 

"هندسة الأرقام" تمتد إلى بيانات الناتج المحلي الإجمالي. وبسبب ذلك فإن الاقتصاد فشل في تحقيق نمو مستدام خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل. وتنطلق أرقام الناتج إلى أعلى مدفوعة بما يمكن تسميته "فقاعة التضخم" وإعادة تقييم الأصول بالعملة المحلية، ثم لا تلبث الفقاعة أن تنفجر مع عدم قدرة الجنيه المصري على الثبات، وانهيار قيمته رسميا من خلال هبوط سعر الصرف. على سبيل المثال قفزت قيمة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 إلى 475.2 مليار دولار مدفوعة بفقاعة التضخم وسعر الصرف غير الطبيعي، ثم هبطت فجأة إلى 380 مليار دولار حسب تقدير صندوق النقد الدولي للعام الحالي، بخسارة 95.2 مليار دولار بنسبة هبوط تبلغ 20% تقريبا، أي بمعدل سنوي يبلغ 10%. هذا الانخفاض في قيمة الناتج يعني هبوط نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى 3540 دولار في عام 2024 مقابل 4590 دولار  في عام 2022. وتلك هي أرقام الصندوق المعلنة. هبوط نصيب الفرد من الناتج المحلي يعني سقوط شرائح اجتماعية من فوق خط الفقر إلى أسفل، خصوصا مع زيادة حدة التباين في توزيع الدخل، بين أثرياء يزدادون ثراء، وفقراء يزدادون فقرا. 

وطبقا للأرقام المنشورة رسميا بواسطة الجهاز المركزي للإحصاء حتى عام 2020 فإن قيمة خط الفقر القومي تبلغ 10.3 ألف جنيه للفرد سنويا فأقل. وقام خبراء الجهاز بتحديده على أساس تكلفة الحصول على السلع والخدمات الأساسية للفرد، بما يعادل 28 جنيها و 21 قرشا يوميا. في حين تم تحديد خط الفقر المدقع بقيمة 6600 جنيه سنويا، تكفي فقط لتغطية تكلفة البقاء على قيد الحياة، بما يعادل 18 جنيها و 8 قروش يوميا. ولا شك أننا في ظل الظروف الحالية نحتاج إلى تحديث لهذه البيانات التي توقفت منذ 4 سنوات، فقد مرت مياه عفنة كثيرة تحت الجسر خلال تلك الفترة. وطبقا للبنك الدولي فإن خط الفقر في الدولة النامية ذات الدخل المتوسط المنخفض، ومنها مصر يبلغ 3.65 دولار يوميا. هذا يعني أن الدخل الفردي القابل للإنفاق للفرد الواحد لا يجب أن يقل عن 182.5 جنيه يوميا. أي أن الأسرة المكونة من 4 أفراد يجب أن يكون دخلها السنوي حوالي 67 ألف جنيه، وإلا سقطت تحت خط الفقر. خط الفقر هنا هو حد الكفاف وليس حد الكفاية، لأن خبراء البنك يقدرون حد الكفاية بحوالي 25 دولارا يوميا للفرد في المتوسط على مستوى العالم. 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -