وانتصرنا ولسه عارهم ذكرى في تراب بورسعيد
في أعقاب تأميم قناة السويس المسروقة من مصر، لاستخدام عائدها في تمويل بناء سد مصر العالي، وقع العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني. وهو العدوان الذي واجه مقاومة بطولية من الشعب والجيش في مصر. وتمكنت مصر بصمودها وإصرارها الأسطوري على المقاومة رغم الفارق الهائل في القوة بينها وبين أعدائها، من حشد تأييد عربي وعالمي كبير لها في تلك المعركة. فقام الأشقاء السوريين بقطع خط النفط القادم من كركوك في العراق والذى يمر عبر أراضيهم بأمر مباشر من المقدم عبد الحميد سراج قائد المخابرات العسكرية السورية لتكتمل دائرة انقطاع امدادات نفط الشرق الأوسط عن انجلترا وفرنسا بعد اغلاق قناة السويس التى كانت المعركة الكبرى تدور عند مدخلها الشمالى فى مدينة بورسعيد الباسلة التي قاتلت بضراوة مع المتطوعين الوطنيين وقوات الجيش في مواجهة قوى الظلام الفرنسية والبريطانية، في وقت كانت قوات العدو الصهيوني تدنس أرض سيناء بعد انسحاب الجيش المصري منها حتى لا يتعرض للحصار بين قوى العدوان على مصر.
وعبرت الشعوب العربية الخاضعة للاحتلال أو المقهورة بحكام عملاء وتابعين للقوى الاستدمارية، عن وقفتها مع مصر بكل اشكال الاحتجاج وبضرب المصالح البريطانية والفرنسية من العراق إلى عدن إلى لبنان إلى المغرب العربى والخليج العربي. وكان تقرير السفير البريطانى فى بغداد (مايكل رايت) بليغا فى التعبير عن عظمة الوقفة العربية إلى جانب مصر، اذ ذكر لرئيس وزرائه (انتونى ايدن): اذا لم يتوقف الهجوم على مصر بسرعة فلن تكون هناك قوة على الأرض قادرة على حماية نظام نورى السعيد فى بغداد لأن مشاعر الشعب العراقي كلها فى حالة نقمة ضد بريطانيا. وأكد أنه " لم ير ظاهرة مثلها من قبل فى تجربته الدبلوماسية".
وفي المغرب العربي كانت الجزائر الخاضعة للاستدمار الاستيطاني الفرنسي الذي يمثل واحدا من أحط أشكال الاستدمار، والتي كانت مصر مصدرا رئيسيا لمساعدة الثوار فيها وكان موقفها في هذا الشأن سببا في مشاركة فرنسا في العدوان الثلاثي... كانت الجزائر حاضرة بكل أشكال الاحتجاج، بل وتجاوزت ذلك إلى قيام العمال الجزائريين الذين يعملون في الموانيء الجنوبية لفرنسا بالامتناع عن تحميل وخدمة السفن الفرنسية المتوجهة إلى ساحة العدوان على مصر.. حقا كانت هناك أمة تنهض من طول سباتها، وكانت معركة سد مصر العالى وتأميم قناة السويس والإدارة الملهمة لهذه المعركة من قبل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، هى الشرارة التى فجرت بركان هذه الأمة لتهب فى وقفة شجاعة مساندة لمصر ومعبرة عما هو مشترك بين كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. لقد بعثت مصر فيها روح الأمة الواحدة حتى ولو كانت في طور التكوين قبل أن تحاول النظم الحاكمة البائسة فيما بعد تحطيم هذا الانبعاث وإثارة كل نزعات الأنانية المحلية.
وعلى الصعيد العالمى تفجرت التظاهرات العارمة المؤيدة لمصر فى عدد كبير من الدول المستقلة حديثا أو الخاضعة للاستدمار وحتى في دول الغرب عموما، وفي الامبراطوريتين المتهالكتين اللتين كانتا تشنان الحرب على مصر: بريطانيا وفرنسا، تظاهرت القوى الحية التي آمنت بعدالة موقف مصر رفضا للعدوان وضغطا من أجل إيقافه، بصورة أكدت أن خيار الحرب العدوانية الفرنسية - البريطانية - الصهيونية ضد مصر، هو خيار الحكومات المعبرة عن الرأسمالية الكبيرة المتطرفة فى عدوانيتها فى تلك البلدان وليست خيار شعوبها. لكن درة ذلك المشهد العالمى، كان الانذار السوفيتى لكل من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، حيث تضمن الانذار الموجه إلى بريطانيا وفرنسا ضرورة وقف العمليات العسكرية ضد مصر فورا والانسحاب من الأراضى المصرية دون إبطاء، وتضمن تهديدا صريحا للدولتين عندما نص على أن "لندن وباريس ليستا بعيدتين عن مدى الصواريخ النووية السوفيتية". أما الانذار الموجه إلى الكيان الصهيوني فقد اتهمه بأنه "يعبث على نحو إجرامى غير مسئول بمصير العالم وبمصير شعبه ويبذر بذور الكراهية لدولة اسرائيل فيما بين الشعوب الشرقية وهو أمر لابد أن يترك آثاره على مستقبل إسرائيل ويشكك فى وجود إسرائيل ذاته كدولة".
وانتهى الأمر بانسحاب قوات العدوان الثلاثى، واستعادت مصر سيادتها وملكيتها لقناة السويس. وقد أتاح لها ذلك، قدرة اقتصادية اضافية شكلت عاملا مساعدا على تحمل تكاليف بناء السد العالى.