التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بشأن مرونة سعر الدولار خطوة جيدة نحو مزيد من الصراحة والشفافية، لأنها تنطوي على رغبة في طمأنة المستهلكين بأن سعر الصرف سيكون مستقرا في حدود معينة (+_ 5%). كما تتضمن رسالة إلى صندوق النقد بأن الحكومة ملتزمة بسعر صرف مرن للدولار.
ومع أن الدكتور مدبولي أعطى مثالا بسيطا لطمأنة المواطنين بأن التغير في سعر الدولار صعودا أو هبوطا سيكون محدودا، فإن تحقيق هذا الالتزام يتطلب توافر شروط من أهمها أن يكون لدى البنك المركزي المصري القدرة الكافية على التدخل في السوق لضمان عدم تخطي الدولار النطاق السعري المرن، وأن تكون القيود الإدارية على تمويل الاحتياجات الدولارية واضحة وشفافة، لتجنب فتح نوافذ خلفية للاستثناءات في قواعد إتاحة الدولار من خلال البنوك.
تجربة السنوات الأخيرة تشير إلى أن الضغوط على سعر صرف الجنيه تسير في اتجاه خطي صاعد، وتؤدي إلى تخفيضه بعد فترة من الجمود.
- خلال الفترة من سبتمبر عام 2022 إلى سبتمبر 2023، وفي ظل مرونة نسبية في سوق الصرف هبط سعر الجنيه مقابل الدولار بنسبة 50% تقريبا (من 20 إلى 30 جنيها للدولار).
- وفي الفترة من مارس 2023 إلى مارس 2024 هبط سعر الجنيه هبوطا مفاجئا في نهاية الفترة بنسبة 60% تقريبا (من 30 إلى 47 جنيها للدولار).
- وخلال الأشهر الأخيرة من مارس إلى نوفمبر انخفض سعر الجنيه بنسبة 6.4%، وذلك على الرغم من إجراءات كبح الطلب على الدولار، التي تضمنت قيودا إدارية شديدة على الاستيراد، والتباطؤ في سداد مستحقات الشركات الأجنبية، ومنها شركات البترول والغاز والكهرباء.
هذه القيود كانت لها تكلفة باهظة تضمنت تخفيض الاستثمار والإنتاج في قطاعات النفط والغاز والطاقة والقطاع الخاص. كما أدت إلى حدوث اختناقات تجارية وصناعية حرجة، خصوصا في قطاع الأدوية. كما أدت إلى تشكك الصندوق في جدية الحكومة في الالتزام ببنود اتفاق القرض الحالي، وهو ما كان أحد أسباب تعطيل إجراءات المراجعة الرابعة للقرض.
تصريحات السيد رئيس الوزراء تطرح أسئلة يتعين الإجابة عنها لرفع مستوى المصداقية في السياسة المالية والنقدية دوليا، وزيادة درجة الاطمئنان بين المنتجين والمستهلكين في السوق المحلي. وسوف نشير هنا فقط إلى سؤالين:
السؤال الأول، هو ما إذا كانت القيمة الوسطى لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال السنة المالية هي قيمة ثابتة أو متحركة؟ بمعنى آخر هل يتم قياس ارتفاع أو انخفاض السعر على قيمة ثابتة (50 جنيها للدولار مثلا) أم أن القيمة الوسطى ستكون متحركة مرة كل ثلاثة أشهر كما هو الحال في تحديد أسعار الوقود؟
الإجابة على هذا السؤال مهمة للمستثمرين والمنتجين لأن قرارات الإنتاج تأخذ في اعتبارها تكلفة مستلزمات الإنتاج المستوردة، ووضع سياسة التسعير المناسبة سواء للتعاقدات المحلية أو للتصدير. كما أن تغيرات سعر الدولار غير المنضبطة تؤدي إلى صدمات في سلوك المستهلك.
السؤال الثاني، هو ماذا يحدث إذا تجاوزت تغيرات الأسعار حدود هامش المرونة المحدد؟ هل تترك الحكومة السوق على حالها خارج نطاق السيطرة، أم تتدخل لإعادة السعر إلى داخل حدود هامش المرونة؟
التجربة في السنوات الأخيرة أظهرت أن الحكومة لجأت بشكل متكرر إلى تجميد سعر الصرف داخل نطاق محدود جدا. وعندما وجدت نفسها في طريق مسدود، اضطرت إلى إجراء تخفيضات حادة في السعر، تحت ضغط شروط الحصول على تمويل خارجي.
مرونة سعر الصرف يجب أن تكون سياسة مسئولة، وليست مجرد كلام للاستهلاك المحلي، أو تزيين التماس إلى صندوق النقد بالموافقة على المراجعة الرابعة وإطلاق الشريحة التالية من القرض، التي تنتظرها الحكومة بفارغ الصبر قبل نهاية الشهر الحالي.