أسلحة الصين الثلاثة لمواجهة الحرب التجارية القادمة
لا شك أن الصين تمثل الهدف الرئيسي للحرب التجارية التي يتوعد ترامب بها العالم كله. لكنه في حال الصين يتوعدها برسوم تجارية لا تقل عن 60 في المئة وربما تصل إلى 100 في المئة على كل السلع التي تستوردها الولايات المتحدة. بل إن الرسوم يمكن أن تصل إلى 200% في حال تصاعد التوتر حول تايوان. في حقيقة الأمر أن هذه التهديدات ليست جديدة على الصين، فصادرات السيارات الكهربائية الصينية تخضع لرسوم جمركية رادعة تبلغ 100 في المئة فرضها الرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن. ومع أنك لا ترى سيارات كهربائية مصنوعة في الصين تجرى في شوارع المدن الأمريكية، فإن هناك ملايين السيارات التي تستخدم مكونات صينية مصنوعة في بلدان أخرى قريبة للولايات المتحدة مثل المكسيك أو بعيدة مثل بولندا والتشيك.
وعلى الرغم من الصين تقول صراحة أنها تتعرض لأضرار كبيرة بسبب الرسوم الجمركية العالية التي تفرضها واشنطن، وأنها ستعمل دائما على تجنب نشوب حرب تجارية بين أكبر وثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإنها في الوقت نفسه تستعد لتلقي ضربات الحرب التجارية والرد عليها بتفعيل استخدام ثلاثة أسلحة إقتصادية
- السلاح الأول، هو تعزيز قدرة محركات النمو الداخلي في الاقتصاد الصيني، بزيادة الاعتماد على سلاسل الإمدادات المحلية، وزيادة القدرات الاستهلاكية للطبقات المختلفة، خصوصا الطبقة الوسطى المحلية التي تتشابه في انماطها الاستهلاكية مع الطبقة الوسطى في البلدان الصناعية الغربية. في هذه الحالة فإن نقص التصدير إلى الغرب عموما يمكن تعويضه بزيادة الاستهلاك والطلب المحلي.
- السلاح الثاني، هو بناء علاقات شبكية قوية مع الدول المجاورة، خصوصا دول رابطة آسيا. وقد أصبحت هذه الدول معا هي الشريك التجاري الأول للصين، بدلا من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. وتتضمن العلاقات الاقتصادية الشبكية مع دول آسيان إعادة توطين بعض الصناعات الصينية في هذه الدول، بحيث تتجنب الصناعة الصينية الأضرار التي تقع نتيجة زيادة الرسوم الجمركية. وتعتبر فيتنام وجهة مفضلة لإعادة توطين الصناعات الصينية نظرها لقربها من ناحية، وقوة علاقاتها مع الولايات المتحدة من ناحية ثانية. إلى جانب فيتنام تهتم الصين أيضا بنقل أجزاء من شبكات الإمدادات المحلية إلى لاوس وكمبوديا. وفي هذا السياق أيضا تهتم الصين حاليا بفتح أسواق واسعة جديدة لمنتجاتها في الأسواق الجديدة في روسيا والخليج وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
- السلاح الثالث لمواجهة الحرب التجارية الأمريكية يتمثل في تصميم نماذج للرد بسرعة على العقوبات أو الرسوم الجمركية العقابية التي تعتزم الإدارة الأمريكية القادمة فرضها. من ذلك على سبيل المثال قرارها بوقف استيراد السيارات الفارهة التي تعمل بالوقود التقليدي ذات السعة اللترية الكبيرة. وتقوم وزارة التجارة الصينية بإعداد قوائم سلعية يمكن فرض رسوم جمركية كبيرة عليها من دون أن يتعرض الاقتصاد الصيني نفسه للضرر. من تلك السلع الغاز المسال والنفط واللحوم وفول الصويا والسلع الزراعية عموما التي تستطيع الصين استيرادها من مصادر أخرى مثل استراليا ونيوزيلندا والبرازيل وتشيلي ودول الخليج العربية وإيران والعراق.
- بوسع الصين كذلك ان تستخدم سياسة نقدية تضعف قيمة عملتها، فتصبح أرخص، وأن تزيد من التخفيضات الضريبية على الصادرات كإجراءات دفاعية. ومن بين التدابير المطروحة أيضاً تقييد صادرات المواد الأساسية مثل المعادن النادرة، وفرض رسوم جمركية على قطاعات الاستيراد الاستراتيجية في الولايات المتحدة.
وفي الأمد المتوسط، سوف تصبح السياسة الصناعية في الصين أكثر تركيزاً على الاقتصاد المحلي، مع التركيز بشكل أكبر على القدرة التنافسية الصناعية. وتأمل الصين في كل الأحوال ألا تتطور الحرب التجارية مع الولايات المتحدة بشكل يدفعها خارج نطاق السيطرة، وذلك تجنبا للخسائر التي من المرجح أن يتعرض لها الطرفان، نظرا لأهمية التجارة المتبادلة بينهما التي تصل قيمتها إلى حوالي 500 مليار دولار سنويا.
وقد توعد ترامب أيضا بمضاعفة الرسوم الجمركية العقابية على الصين، تصل إلى 200 في المئة في حال فرضت حصارا بحريا على تايوان. ونظرا لوجود شركات تايوانية كثيرة تعمل في الصين، فإن أضرار فرض رسوم جمركية انتقامية تتضمن احتمال هجرة هذه الشركات من الصين وعودتها إلى تايوان تجنبا لتأثير الرسوم الجمركية العقابية، أو السعي للتوطن في بلدان أخرى قريبة مثل تايلاند ولاوس وكمبوديا وفيتنام.